للمرة الاولى منذ نحو شهرين على التكليف، بدأ التخوف يطفو على سطح المشاورات المتعثّرة في عملية التأليف من وجود قطبة خارجية تعوق ولادة الحكومة. هذا التعثّر يعيده زوار بعبدا الى عوامل ثلاثة تبدو مترابطة: عقد التمثيل الداخلية وملامح ضغوط خارجية، ونظرة الحكومة العتيدة الى العلاقة مع سوريا، لاسيما بعد قول الرئيس سعد الحريري: “فليبحثوا عن غيري اذا اضطروا لمسايرة المصلحة بزيارة سوريا”.
وفي وقت غاب الحريري في اجازة عائلية خارج البلاد وتوقفت كل محركات التأليف، يقول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في حديثه امام زواره إنه “رسم خريطة طريق حكومية بمعايير موحّدة في خطاب الكلية الحربية في الفياضية وما زال ينتظر من الرئيس المكلف ان يقدم اليه التشكيلة الحكومية المطابقة لها”.
رئيس الجمهورية، وللمرة الاولى، يخرج من دائرة التستّر على خلفية العقد الداخلية الثلاث التي تعوق ولادة الحكومة، وهي: حجم تمثيل “القوات اللبنانية”، والتمثيل الدرزي، اضافة الى تمثيل عشرة نواب من خارج “كتلة المستقبل” النيابية، مشيراً الى أنها، رغم تنوّعها، “معروف اين هو مكمن الربط والحل فيها وما هي خلفيتها الحقيقية”.
يذكّر الرئيس عون هنا “بتوقيت الحملة التي بدأها رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على العهد فور عودته من المملكة العربية السعودية”، ويقول: “أنا لا احد من الخارج يمكنه ان يمارس ضغطاً عليّ، ولكن هل ينطبق ذلك على غيري؟ لا اعرف”.
ورغم اقتناعه بأن ثمة حملة لتطويق العهد ذات أبعاد خارجية، الا أنه يطمئن الى “انها لن تكون بحجم ازمة استقالة الرئيس الحريري في المملكة العربية السعودية في تشرين الثاني الماضي، والتي عرف كيف يديرها وصولاً الى فكّ احتجازه، وانقاذ البلد مع الحفاظ على سيادته وكرامته”.
الرئيس عون وعندما يسأل عن القول بأن عودة الانفتاح على النظام السوري هي احد أسباب الخلاف حول تركيبة الحكومة المقبلة، يجيب: “الفرق بيني وبين غيري انني اتطلع من الحاضر الى المستقبل وغيري يتطلع من الحاضر الى الماضي، فيما الحكم هو تلاقٍ مع الحدث وليس اللحاق به”. وللتدليل على نظرته السياسية الواقعية التي تنطلق من المصلحة الوطنية ومن قواعد حسن الجيرة مع سوريا، يستحضر الرئيس عون وقائع من موقف اتخذه الجنرال شارل ديغول بعد الحرب بين فرنسا وألمانيا، وكيف عمل على التعاون في تقاسم المصالح الحيوية بين البلدين، كما يستحضر كلام نابوليون بونابرت الذي يقول: “السياسة ابنة التاريخ والتاريخ ابن الجغرافيا والجغرافيا ثابتة لا تتغيّر”. ويذكّر رئيس الجمهورية في هذا السياق بأنه ناصب سوريا العداء عندما كانت في لبنان وانه طوى هذه الصفحة معها ما إن خرجت من لبنان، وهو مقتنع اليوم بأن “للبنان مصلحة حيوية مع سوريا التي تربطه بها حدود مشتركة، وحركة تبادل وترانزيت وغيرها الكثير من المصالح المشتركة، وابرز وأقرب دليل معبر نصيب الذي بإقفاله تكبد لبنان خسائر كبيرة لدى “مؤسسة إيدال” الأرقام المفصّلة لما دفعته الدولة يومياً لدعم عمليات نقل الشاحنات المبردة في البحر”.
ويتطرّق رئيس الجمهورية الى ملف عودة النازحين الذي يُعتبر احد ابرز ملفات التنسيق الذي بدأ مع النظام السوري من خلال تفويضه المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم، فيؤكد انه “لن يسمح ببقاء النازحين ليكونوا ورقة في يد مَن يتمسكون بهم في لبنان، وانه توجّه الى المجتمع الدولي للعمل على تأمين عودتهم الآمنة، وهذه العودة مستمرة بإشراف الأمن العام وحتى من دون انتظار بدء تطبيق المبادرة الروسية”.
للبنانيين القلقين من التأخّر في تشكيل الحكومة، يقول رئيس الجمهورية: “ما تشغلوا بالكن، رح يكون في حكومة مهما تأخرت”. وهو هنا يستحضر ابرز ثلاث مرات تأخرت فيها عملية التشكيل في السنوات الاخيرة: “من الحكومة الاولى للحريري في العام 2009، الى الحكومة الثانية للرئيس نجيب ميقاتي، الى حكومة الرئيس تمام سلام التي احتاجت ولادتها الى 11 شهراً. فنحن ما زلنا ضمن المهلة المقبولة، والمهم ان نصل الى حكومة تؤمّن وحدة المعايير وتكون امينة في ترجمة نتائج الانتخابات النيابية على اساس القانون النسبي، بحيث لا يتم احتكار طائفة ولا تهميش فريق”.
ويقول: “إن هذه الضوابط هي التي أكدتها في خطاب عيد الجيش، كما أكدت التعاون مع الرئيس المكلّف تاركاً له وضع تشكيلته الحكومية، وما زلت انتظر منه ان يقدمها اليّ. وكل ما ننتظره هو تطبيق عملية حسابية بسيطة توزّع الحصص في الحكومة بالتناسب مع ما افرزته الانتخابات على اساس قانون انتخاب نسبي يفترض أنه أنهى الاحتكار والهيمنة اللذين ارساهما قانون الانتخاب الاكثري”.
وعما تردّد من أن الرئيس الحريري قدم اليه تشكيلتين حكوميتين: واحدة من ثلاثين وزيراً واُخرى من 24 وينتظر رده على كليهما، ينفي الرئيس عون ان يكون الحريري قدم اليه تشكيلة من 24 وزيراً، الا أنه يؤكد عدم ممانعته بحكومة الـ 24 شرط ان تراعي هي ايضاَ وحدة المعايير، فهي لا تعني ان المقعدين الدرزيين يُعطيان للحزب التقدمي الاشتراكي وحده، ولا ان حصة “القوات اللبنانية” يكون فيها اكثر من ثلاثة وزراء”.
الرئيس عون يستغرب الكلام عن مسَّ بصلاحيات الرئيس المكلف، ويسأل:” أين تدخلت في عملية التأليف وأين فرضت طالما انا انتظر من الرئيس الحريري ان يقدم اليّ تشكيلة حكومية لأبدي رأيي عند التوقيع عليها. ومن حقيّ الدستوري ان ارفض او أوافق. وكما انا لا اتدخل بصلاحيات احد لا اسمح لأحد بالتدخل ولا بتخطي صلاحياتي التي انا مؤتمن فيها على مصلحة البلد”.
ويسأل: “أوليس من حق رئيس الجمهورية أن يقول بأنه يريد أن يسمي نائب رئيس للحكومة، كما كرّسه العرف في حكومات ما بعد الطائف؟ رئيس الجمهورية لا يعطى الفضلات بل هو شريك في عملية التأليف وفي تسمية الوزراء من خلال اشتراط الدستور على الرئيس المكلف الاتفاق مع رئيس الجمهورية على إصدار مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء او اقالتهم (الفقرة 4 من المادة 53 من الدستور، والفقرة 2 من المادة 64)”. ويضيف: “عندما اقول لـ”القوات اللبنانية” بأنني لا أعطي ولا آخذ في موضوع الحقيبة السيادية وابحثوها مع الرئيس المكلف، أوليس لأنني اترك عملية التأليف عند الرئيس المكلف؟”.
ويستخلص الرئيس عون في هذا السياق، “ان التعدي على الصلاحيات يحصل من قبل غيره عندما يسعى الى حجب التمثيل الصحيح عن “كتلة لبنان القوي” وعندما يسعى الى الأخذ من حصتها لمصلحة مكونات اخرى…”.
وعندما يُسأل عن سبب التباعد بين الرئيس الحريري والوزير جبران باسيل وعدم حصول اللقاء بينهما، يجيب الرئيس عون بسؤال: “هل اتصل به وقال له اريد ان أتغدى عندك او أن تتعشى عندي وجبران رفض؟ في العلاقات العامة، اذا لم يكن لدى الانسان شيء يقدمه فهو لا يبحث عن لقاء”.
الرئيس عون يوضح “ان طرح حكومة الأكثرية ليس قراراً بل خيار يمكن الخروج فيه من المأزق الحكومي طالما ان الانتخابات النيابية أفرزت تمثيلاً عادلاً لكل المكونات اللبنانية، وأنهت احتكار القانون الاكثري”. ويذكّر منتقدي هذا الطرح اليوم بأنهم كانوا اول من بادر الى تشكيل حكومة اكثرية عندما وضعوه وكتلته النيابية المكوّنة من 22 نائباً خارج الحكومة بعد انتخابات العام 2005 التي اعطته اكثر من سبعين في المئة من التمثيل المسيحي، غير آبهين حينذاك بما يدّعونه اليوم من حرص على الميثاقية في التمثيل…”.
من وجهة نظر الرئيس عون “ان النظام الديموقراطي يسمح بموالاة وبمعارضة، ومع حكومة اكثرية او مع غيرها ليس هناك مسّ بصلاحيات الرئيس المكلف”، مع تكراره بأن “الاولوية هي لحكومة الوفاق الوطني شرط اعتماد المعايير الواحدة”.
الرئيس عون مطمئن الى “ان لا خوف على الوضع الأمني وأنه محصّن”، الا أنه لا ينفي “ان الوضع الاقتصادي صعب ويحتاج الى جهد اكبر من الأداء العادي، ولذلك وضعت خطة اقتصادية وطنية ننتظر الحكومة لتعتمدها وتطبّقها أكان مع مؤتمر “سيدر” أو مع غيره”.