يوماً بعد آخر، تتكشّف “أحجية” تأليف الحكومة الجديدة في لبنان عن “ملعبٍ خلفي” يشكّل “المسرح السياسي” الفعلي لهذا الملف الذي يسير على حبليْن مشدوديْن متوازييْن: الأول صراعٌ داخلي يبدأ بـ “كباش” الأحجام ولا ينتهي بحسابات انتخابات رئاسية الجمهورية، والثاني “حرب النفوذ” بالمنطقة ومحاولة ترسيم حدود جديدة لبعض اللاعبين، ولا سيما إيران، من خلف “دخان” الخرائط… المشتعلة.
وباتت أوساطٌ سياسيةٌ على اقتناعٍ بأن لبنان يعيش مرحلة “لا حرب ولا سلم” في غمرة التحولات المتسارعة في المنطقة ودخول المواجهة الأميركية مع طهران لـ “تقليم أظافرها” مرحلةً جديدةً بالتوازي مع “إفلات” النظام السوري من أزمته التي “تَعوْلمتْ”، معتبرةً ان “التوازن السلبي” في المشهد اللبناني قد يكون مرشّحاً لمزيدٍ من الاستنزاف بحيث يبقى البلد “معلَّقاً” بانتظار انقشاع الرؤية أكثر في الإقليم، إلا إذا استشعر الطرف ذات “الأفضلية” في أوراق القوة محلياً، أي “حزب الله”، بأن ثمة حاجة لبتّ ملف الحكومة بتوقيته وشروطه بملاقاة موجة التشدُّد الأميركية فيلجأ إلى خيارات “غير تقليدية” لبلوغ أهدافِه “الكاسِرة للتوازنات”، علماً أن لمثل هذا السيناريو حساباته الدقيقة التي لا بدّ ان الحزب يقيسها بـ “ميزان الجوهرجي”.
وتتوقف هذه الأوساط عند تطوريْن تبلورا أخيراً على تخوم مسار التأليف:
* تكريس معطى الانتخابات الرئاسية كعنصرٍ أساسي بأزمة التأليف انطلاقاً من كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الأخير عن أن رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل يحلّ “في رأس السباق الرئاسي”.
وفيما اعتبرت الأوساط أن هذا الكلام يمكن أن يفسّر رغبة باسيل باستخدام الملف الحكومي للحصول على الثلث زائد واحد في الحكومة لكتلته ومعه حصة عون بما يمنحه “مفتاحاً معطلاً” قد يحتاجه لفتح أبواب القصر أمامه، فإن تقارير ذهبت أبعد في ربْطها فتْح السباق الرئاسي من الآن (قبل 4 سنوات ونيّف من انتهاء ولاية عون) بأنه قد يستنبط منحى من عون لإنهاء ولايته مبكراً فتكون الأزمة الحكومية أحد عناصر “التسوية الجديد” لإيصال باسيل إلى القصر.
لكن باسيل سارع للردّ على سيناريو “حصول انتخابات رئاسية مبكّرة واتهام رئيس الجمهورية ورئيس التيار بها”، منتقداً وصول “الهلوسة السياسية بالبعض إلى اتهام الإنسان بإطلاق النار على نفسه، فيما يعلم الجميع أننا لسنا بمرحلة انتحار سياسي”، ومعلناً “سنكمل مسيرتنا الداعمة للعهد الذي يشكل فرصة استثنائية للبنان لن تتكرر”.
* والتطور الثاني ازدياد الإشارات من فريق عون غامزة من قناة دور سعودي بتأخير ولادة الحكومة، وكان آخرها من باسيل الذي ذهب الى الكلام عن ان لبنان في “الاعتقال السياسي” ملوّحاً بأنه “إذا كان الأمر يتطلب ان نقوم بعملية سياسية ديبلوماسية شعبية من أجل فكّ أسر لبنان فلن نتأخر بأن نقوم به”.
وإذ فُسّر موقف باسيل على أنه موجّه ضمناً إلى السعودية في سياق المسار الذي يستحضر معه فريق عون تكراراً ما يعتبره “احتجازاً” تَعرّض له الحريري في السعودية حين أعلن استقالته منها في نوفمبر الماضي، فإن الرئيس المكلف الذي كان نفى أي تدخل سعودي بالملف الحكومي، ربط التأخير في مسار التأليف بـ “التمترس” خلف المواقف، معلقاً حول إذا كانت الأزمة الفعلية هي بتموضع باسيل على “رأس السباق” الرئاسي بأنّ رئيس الجمهورية بالنسبة إليه “هو العماد عون ولا أحد يستبق الأمور”.
وفيما أعلن انه “على تواصل مع حزب الله وهو كما الجميع يريد تشكيل الحكومة”، كان بارزاً موقف “كتلة المستقبل” بعد اجتماعها برئاسة الحريري إذ أكدت على “الأبعاد الداخلية” لمعوقات التأليف، لافتة في مقابل “تطوّع البعض بحمل رسائل مباشرة تعلّق تأليف الحكومة على الموافقة المسبقة للنظام السوري” إلى أنّ هذا الأمر “يعتبره الرئيس المكلف مجرد كلام للاستهلاك الخارجي الذي يصنّف في خانة أحلام إبليس بالجنة”.