نشرت جريدة “الأخبار” بتاريخ 18 آب 2018 مقالًا حمل عنوان “مع البخاري لا ملل” تناولت فيه نشاط القائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان الوزير المفوض وليد البخاري، موجهة سلسلة طويلة من الإفتراءات والتطاول والإساءات التي تأتي في سياق حملة “حزب الله” وإعلامه للإساءة إلى العلاقات اللبنانية السعودية وتخريبها، من دون الأخذ بالإعتبار مصالح الدولة وشريحة واسعة من الشعب اللبناني.
ردّ الامين العام للتحالف المدني الإسلامي أحمد الأيوبي لستُ هنا في موقع الدفاع عن الوزير البخاري، لكن بإستطاعة الجميع ملاحظة أن إرتفاع عقيرة إعلام “حزب الله” ضده يتوازى مع كل تحرّكٍ يقوم به، صغيرًا كان أم كبيرًا، وهذا يعطي الإنطباع بأن ما يقوم به هذا الرجل يزعج ويغيظ مواقع القرار في الحزب، فتأمر أبواقها بالتحرك، لتخرج مقالات الطعن والإساءة والتشهير، وهو سلوك نمطيّ بات يحكم هذه الفئة المتسلطة على رقاب اللبنانيين ودولتهم.
وإذا كان مفهومًا أن تتطاول جريدة “الأخبار” على السفارة السعودية، فإن اللافت كان تناولها لنشاطنا السياسي والإجتماعي والإنساني وتصنيفه على أنه يأتي في سياق “مشروع تعاون سعودي – قواتي” في شمال لبنان، بالإستناد إلى التنسيق السياسي والإنمائي القائم بيننا وبين “القوات اللبنانية” وما تم إنجازه في هذا السياق.
• ماذا قالت “الأخبار”؟
جاء في ثنايا المقال المشار إليه الآتي:
“تحضير أرضية شمالية مع جعجع
تبلّغت مراجع رسمية عليا أن ما يجري من تحركات في بعض مناطق الشمال، بعناوين مختلفة وبدعوة من جهات سياسية أو “مدنية”، إنما هو جزء لا يتجزأ من إعداد أرضية لبنانية، وخصوصًا في بيئات معيّنة، تستهدف التصويب على العهد وكل ما يمتّ بصلة إليه (تيار وطني حر وقوى وشخصيات محسوبة على العهد)، وفي الوقت نفسه الترويج منذ الآن لرئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع بوصفه المرشح الأبرز لرئاسة الجمهورية في المرحلة المقبلة.
في المعلومات التي تلقتها هذه المراجع، أن القائم بالأعمال السعودي في لبنان، الوزير المفوض وليد البخاري، كُلّفَ إعداد أرضية شعبية على مستوى الساحة اللبنانية كلها، وعلى مستوى طرابلس والشمال بشكل خاص، باعتبار أن الشمال بيئة إسلامية موالية تاريخياً للسعودية بوصفها مرجعية المسلمين السُّنة.
هذا الإعداد يجري في أكثر من اتجاه:
أولاً، توفير دعم مالي إضافي لت”القوات اللبنانية” يساعدها على أن تنشط أكثر في الأوساط الإسلامية السنية. ويلاحظ في هذا السياق، توسع دائرة حركة عدد من الناشطين الإسلاميين الشماليين وأبرزهم (أ. أ. – أحمد الأيوبي) في الآونة الاخيرة، وما يقدمه من خدمات، وخصوصًا من خلال وزارتي الصحة والشؤون الاجتماعية اللتين يتولاهما وزيران قواتيان هما غسان حاصباني وبيار بو عاصي، ما ساعد هؤلاء الناشطين على استقطاب شريحة شبابية لقاء إغراءات مالية وخدماتية، إضافة إلى استقطاب الراغبين في الحج إلى مكة، حيث خصصت السعودية عدداً من تأشيرات الحج لأبناء عكار وطرابلس والشمال، جرى تمريرها لهؤلاء الناشطين إما مباشرة أو من طريق القوات.”
وردًا على ما جاء أعلاه نورد الآتي:
ـ في العلاقة مع المملكة العربية السعودية:
يستند موقفنا من المملكة العربية السعودية إلى منطلقات مبدئية تؤيد مرجعية القيادة السعودية الحاضنة للحرمين الشريفين، والرائدة في نشر الدين الإسلامي الحنيف والمواجهة للعنف والتطرف والإرهاب، وصاحبة الخطوات الجريئة في الحوار ونشر السلام وخصوصًا مع الفاتيكان، والمتصدية للغزو الإيراني المتوحش لبلاد العرب والمسلمين.
وعلى مستوى العلاقة اللبنانية السعودية، فإننا نقف إلى جانب المملكة لأنها رعت إتفاق الطائف ولأنها إستمرت في دعم الدولة ومؤسساتها وكانت ولا تزال المساهم الأكبر في دعم الإستقرار المالي والإقتصادي والسياسي في لبنان، بينما سعت إيران وتسعى إلى ضرب قواعد الدولة وإعلاء شأن الدويلة.
ورغم ما تقدم، فإننا لطالما طالبنا القيادة السعودية بالدخول أكثر في مشاريع التنمية والإستثمار وتشجيع القطاع الخاص على الإنفتاح على المناطق اللبنانية وخصوصًا الشمال، والإنتقال من مرحلة المساعدات آحادية الإتجاه إلى مرحلة الإستثمار ورفع مستوى التعاون بحيث يشمل مختلف القطاعات والمجالات الإنتاجية والإقتصادية، وهذا يسهم في تحقيق المصالح المشتركة للبنان والسعودية على حدٍ سواء.
هذا في العام.
أما في شأن علاقتنا المباشرة بالمملكة العربية السعودية، فإننا منذ دخولنا معترك الحياة السياسية كنا أبرز المدافعين عن المصالح اللبنانية السعودية المشتركة وعن التوجهات العربية للمملكة، من دون أن يحتاج ذلك إلى دعمٍ ماليّ أو حتى سياسي .
ومن علامات عدم وجود دعم سعودي إعلاننا الإعتذار عن متابعة ملفات الحج حيث أننا لم ندخل في هذا المضمار لعدم وجود إمكانية للحصول على تأشيرات للحج، ولأننا لا نربط مواقفنا بما يعتبره البعض مكتسبات سياسية أو خدماتية.
موقفنا من السعودية وسفيرها لا يحتاج دعماً من طرفها، بل هو منطلق من قناعة راسخة بأن الحضور السعودي في لبنان ضرورة للإبقاء على الحدّ المطلوب من التوازن وللحفاظ على هوية لبنان العربية.
ـ في العلاقة مع “القوات اللبنانية”
منذ إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري دخلنا مرحلة الوحدة الوطنية الشاملة، وكسرنا كل القيود الوهمية التي رسمها طغيان آل الأسد على الحياة السياسية والوطنية في لبنان، وأهمها “شيطنة القوات اللبنانية” وتحميلها ظلمًا كل موبقات الحرب اللبنانية وتصوير الدكتور سمير جعجع على أنه الوحيد الذي خاض هذه الحرب.
ولأن سمير جعجع إختار مشروع الوحدة الوطنية والتمسك بالعمق العربي للبنان ورفض تحالف الأقليات وأبدى كامل الإحترام والحرص على الشراكة مع المسلمين وتمسك بمشروع الدولة في وجه الدويلة، فقد وجدنا أنفسنا في مركب واحد، بدأت رحلته مع دعوتنا الوزير الأول لـ”القوات” بعد الإستقلال الثاني جو سركيس وزير السياحة في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى بين أيار 2005 وأيار 2008، لزيارة طرابلس في خطوة كانت الأولى من نوعها بدعوة مشتركة بيننا وبين بلدية طرابلس وعلى رأسها آنذاك المرحوم رشيد الجمالي وكانت محطة هامة في كسر الحواجز بين اللبنانين وزيارة ناجحة بكل المعايير.
وآخر المحطات كانت إستقبال نائب رئيس الحكومة وزير الصحة العامة غسان حاصباني في إحدى مؤسسات التحالف في التبانة بطرابلس (مركز الرحمة الطبي)، مع ما يعنيه المكان من رمزية وطنية خاصة.
كما ساهمنا في تنظيم زيارة الوزير حاصباني الناجحة إلى غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال ولرئيسها توفيق دبوسي، وما حملته هذه المبادرة من دعم لحملة “طرابلس عاصمة لبنان الإقتصادية” وما كشفته من عناية خاصة توليها القوات لقضايا طرابلس الوطنية والإقتصادية والتنموية.
وخلال المراحل المتعاقبة إستمر التواصل والتعاون السياسي مع “القوات اللبنانية”، وصولاً إلى تشكيل الحكومة الحالية (المستقيلة) ثم محطة الإنتخابات النيابية حين أعلنا دعم مرشحي “القوات” ودعونا الناخبين المسلمين في المناطق التي يتواجد فيها مرشحو “القوات” إلى إنتخابهم وكان لنا جهدنا في هذا السياق ، وصولاً إلى اللحظة الراهنة، إستمرارًا للتنسيق السياسي وتحضيرًا لمزيد من خطوات التعاون.
وبإختصار نقول:
ــ إن الرؤية السياسية للشراكة بيننا وبين “القوات اللبنانية” واضحة وهي تهدف إلى تعزيز التعاون وتحصين الوطن ورفع مستوى الإنماء في المناطق المحرومة، ليس فقط في الشمال وعكار، بل في بيروت والبقاع والجبل والجنوب، وإن نشاطنا توسع ليشمل نطاقًا جغرافيًا بدأ في شبعا وصولاً إلى عكار ولكن الأمر يحتاج إلى مزيد من الجهد لتحقيق الطموحات المشتركة.
ــ إن العلاقة مع “القوات اللبنانية” هي علاقة بين “التحالف المدني الإسلامي” الناشئ والطامح لخدمة الناس وبين قوة سياسية عريقة لها حضورها المسيحي والوطني، ولم يكن هناك تمويل ولا أموال.
نعم هناك خدمات صحية وإجتماعية تابعها التحالف مع وزارتي الصحة والشؤون الإجتماعية، كما تابعت مختلف الأحزاب والجهات، ونالت حقوقها كاملة غير منقوصة.
والحقيقة أن موجبات تدخلنا كانت مبنية على عدم معرفة الناس بالأداء الشفاف والراقي لوزراء “القوات اللبنانية”، نظرًا لحملات التشويه المتواصلة، وكان دورنا تعريف المواطنين بحقوقهم، وتشجيع المؤسسات الصحية والجمعيات على التعاون مع وزارتي الصحة والشؤون، وهو أمر كانت له نتائج إيجابية لمسها الجميع.
نعم . نفتخر بأننا نقف في خدمة أهلنا، ونفتخر بأننا نتعاون مع وزراء “القوات اللبنانية”، ولا شكّ أن هذا التوجه وهذه الإنجازات تمّ رصدها من قبل “حزب الله” وأدواته، وشكلت إزعاجًا جديًا لهم، لأنهم لا يستطيعون تحمّل أن يتعاون اللبنانيون، مسلمين ومسيحيين بهذا المستوى من المصداقية والتبني الواضح للقناعات المشتركة، وخصوصًا جهود التحالف في الشارع الإسلامي للتعريف بمشروع التعاون مع “القوات”، وتفاعل “القوات” مع قضايا التحالف.
• الإعتدال والتعاون الإسلامي المسيحي أكثر ما يزعج “حزب الله”
وصلتنا الرسالة من التركيز على نشاطنا وتسمينا دون أي جهة ناشطة أخرى، ووضعنا في حالة إستهداف وتحريض علينا، ولكن هذا لن يغير من توجهنا، ونحن ماضون في مشروعنا الوطني بكل عزيمة وإصرار.
نحن نعلم أن ما يزعج “حزب الله” وجود كتلة سنية معتدلة، تتمسك بهويتها الإسلامية والعربية، وتعلي من شأن الشراكة مع المسيحيين، لا تـُستدرج للتطرف ولا تؤخذ بالضغوط، تتواضع بلا ضعف وترفع الصوت بالحق بدون النظر للحسابات المادية.
نحن في التحالف المدني الإسلامي، نقف اليوم إلى يمين الرئيس سعد الحريري في حفاظه على صلاحيات رئيس الحكومة وإلى جانبه في معركة الدفاع عن الطائف، ونتمسك بشراكتنا مع الدكتور سمير جعجع و”القوات اللبنانية” ولو كره الكارهون ومع المملكة العربية السعودية في توجهاتها العربية ضد حملة التخريب الإيرانية في بلاد العرب والمسلمين.