لعلّ الرئيس نجيب ميقاتي يشعر الآن، وأكثر من أي وقت آخر، بأنّ سياسة «النَفَس الطويل» «والبال الطويل» التي اعتمدها في مواجهة الأزمة الحكومية قد أثبتت جدواها وفعاليتها، مع عودة الثنائي الشيعي الى مجلس الوزراء.
ليس خافياً انّ البعض كان يحضّ ميقاتي او «يحرّضه» على الضرب بيد من حديد ودعوة المجلس الى الانعقاد بمن حضر، حتى لو غاب عنه المكون الشيعي، الأمر الذي كان « يتهيّبه» رئيس الحكومة ويمتنع عنه، تحسباً للتداعيات التي يمكن أن تترتب عليه.
بالنسبة إلى ميقاتي، ما يهمّ أكل العنب وليس قتل الناطور، وهو يفترض انّ اول العنقود يكمن في عقد جلسة وزارية لمناقشة مشروع الموازنة المُلحّ و»المفتاحي»، على أن تستعيد الحكومة تباعاً «لياقتها البدنية» ووضعها الطبيعي، من دون أن يخضع جدول اعمالها لاحقاً الى أي قيود.
والمريح والمربح في الحسابات الميقاتية، هو انّ عودة الثنائي من «الهجرة» الحكومية هي «طوعية»، وتمّت بلا أي مقايضة أو صفقة كتلك التي جرى الترويج لها أخيراً، بحيث انّه لم يضطر الى دفع ثمن سياسي في مقابل ترميم حكومته وانتظام نصابها مجدداً.
والتحدّي الماثل أمام ميقاتي الآن يكمن في محاولة تعويض «أسابيع الشلل» الفائتة، عبر تكثيف الجلسات المخصّصة لدرس مشروع قانون الموازنة ثم خطة التعافي الاقتصادي وما بينهما من أمور اجتماعية ومعيشية تهمّ المواطنين، قبل أن يقترب أوان الاستحقاق الانتخابي الذي يُخشى من ان يعطّل مفعول الحكومة بعد حين، في اعتبار انّ أولويات مكوناتها ستتركز قريباً على الانتخابات وما تتطلبه من مراعاة او مسايرة للمزاج الشعبي.
ومع اكتمال «البازل الوزاري» مبدئياً، ينقل المطلعون على موقف ميقاتي تأكيده انّه مصمم اكثر من أي وقت مضى على الاستمرار في سياسة تدوير الزوايا، من أجل تقطيع هذه المرحلة الصعبة، مؤكّداً انّه لن يستسلم لليأس ولن يُستدرج الى أي تشنج او صدام مع أحد، طالما انّه لا يجد انّ هناك تهديداً او تعرّضاً للثوابت التي يتمسّك بها، وبالتالي فإنّ كل مسألة او إشكالية لا تتعلق بتلك الثوابت سيعمد الى تجاهلها و»التطنيش» عنها «حتى لا يدفع ثمنها المواطن الذي سئم من المناكفات والمهاترات العبثية».
ويتوقف ميقاتي عند قرار الثنائي حركة «امل» و»حزب الله» بإنهاء المقاطعة لمجلس الوزراء، قائلاً: «هذا قرار أقدّره، ولا يعنيني ما هي خلفياته وحيثيات توقيته. ما يهمني هو انّ «الثنائي» اتخذ موقفاً إيجابياً، وانّ الحكومة ستعود الى الاجتماع قريباً، ومن المفترض أن تنتهي وزارة المال من تحضير مشروع الموازنة خلال أيام قليلة بعدما أنجزت حتى الآن معظم بنوده، وعندما تحيله الى رئاسة الحكومة سأدعو الى جلسة لمجلس الوزراء بغية درسه ومناقشته، وأنا أتوقع انعقاد هذه الجلسة خلال الأسبوع المقبل».
ويعتبر ميقاتي «انّ عودة مجلس الوزراء الى الالتئام هي حيوية من أجل انتظام العمل الحكومي والنبض المؤسساتي وتسيير شؤون الدولة، والأمر لا يرتبط فقط بمتطلبات صندوق النقد الدولي وضرورات التفاوض معه».
ويشير ميقاتي الى «انّ الاتجاه العام للوضع في لبنان يوحي بالإيجابية في هذه الفترة، ونحن نحرز تقدماً في المحادثات التمهيدية بيننا وبين صندوق النقد الدولي والامور معه تسير الى الامام».
ولا ينكر ميقاتي، تبعاً للمحيطين به، انّه عندما يحصل اتفاق رسمي مع الصندوق ستكون هناك إجراءات صعبة، «ولكنها ضرورية للإنقاذ، وهي ستوصلنا في نهاية المطاف الى الخروج المتدرج من النفق الذي حوصرنا في داخله».
ويشيد ميقاتي بالإصرار المتواصل من الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون على وضع الحلول على السكة، معتبراً انّ «محبة ماكرون للبنان واندفاعه لمساعدته لا يماثلهما سوى محبة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي واندفاعه لدعم بلدنا»، لافتاً الى انّه لمس هذا الأمر بوضوح خلال لقاءاته به، «وهو للأمانة لم يوفّر جهداً سياسياً ولا اتصالاً دولياً لدعم لبنان ومنعه من السقوط، وصولاً الى إزالة العقبات التي تعترض بعض المسائل الإجرائية».
وإذ يبدي ميقاتي ارتياحه الى تراجع سعر الدولار، يؤكّد أنّ هناك حاجة إلى خطتين قصيرة وطويلة الأمد لتحصين الليرة والنهوض بالاقتصاد مجدداً، «وهذا ما نحاول أن نعمل عليه».
ويوضح ميقاتي، تبعاً للمطلعين، انّه يضع نصب عينيه السعي الى إزالة كل اسباب التحسس السعودي والخليجي حيال لبنان، كاشفاً انّه يتابع شخصياً، ليلاً نهاراً، ملف منع تصدير سموم الكبتاغون والمخدرات الى المملكة العربية السعودية ودول الخليج، «وانا سأفعل ما بوسعي لتحسين العلاقات مع اشقائنا العرب».
وبالانتقال الى الانتخابات النيابية، يؤكّد ميقاتي الحرص على إجرائها في موعدها، مشدّداً على أنّ حضور الرئيس سعد الحريري في هذا الاستحقاق هو ضروري، سواء عبر شخصه او من خلال تياره. كذلك يعتبر انّ وجود الحريري في لبنان اكثر من مهم وملحّ في هذه المرحلة.
وبعيداً من التأويلات والاجتهادات حول طبيعة علاقته مع شريكيه في الحكم، يوضح ميقاتي، وفق القريبين منه، انّ علاقته جيدة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري.