أدى انفجار الرابع من آب، الذي دوى في مرفأ بيروت، الى عصف هائل أصاب جميع أنحاء المدينة وتسبب في سقوط آلاف الضحايا وألحق أضرارا واسعة امتدت مسافة عشرين كيلومترا من مكان الإنفجار. تأثير الزلزال المدوي أصاب عمق الأحياء الداخلية وبدّل معالم شوارع العاصمة وبالأخص الجميزة ومار مخايل، وألحق الدمار بالأحياء الفقيرة والميسورة على حدّ سواء.
فكانت الجمعيات المدنية اول من بادر الى الاطلاع على أوضاع السكان الذين فقد الكثير منهم معظم ما يملك، وهبت لمساعدتهم من خلال تأمين حاجياتهم من مأكل وملبس ومأوى كخطوة أولية، ومن ثم انخرطت في عملية إعادة الترميم، حتى ان المجتمع الدولي الذي استنفر كل طاقاته لمساعدة لبنان، قرر في هذه اللحظة الحرجة تقديم مساعداته عن طريق الجمعيات غير الحكومية لعدم ثقته بالطبقة السياسية الفاسدة التي نهبت على مدى السنوات أموال الشعب وبنت على أنقاضه قصورها.
وأشارت "هيومن رايتس ووتش" آنذاك، الى ان "في ظل المزاعم الموثوقة بشأن الفساد بين المسؤولين الرسميين وتقاعس السلطات المستمر عن معالجة الأزمات الاقتصادية والسياسية الكبيرة التي تهدد قدرة المواطنين بالحصول على الحقوق الأساسية، يتعيّن على المانحين الدوليين تفادي إرسال مساعداتهم الطارئة عبر الحكومة بل إرسالها مباشرة إلى من يحتاجون إليها، بما في ذلك عبر منظمات المجتمع المدني اللبنانية المستقلة".
بعد سنتين على انفجار المرفأ، صوّب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في كلمته أمام السفراء على الجمعيات المدنية، وقد قال لدى استقباله السلك الدبلوماسي للمعايدة: "بعض الجهات تجاوزت واجب التنسيق مع مؤسسات الدولة وتعاطت مباشرة مع جمعيات نبتت بعد انفجارالمرفأ، وتعمل على استثمار الدعم المادي والإنساني لأهداف سياسية وتحت شعارات ملتبسة، خصوصاً وأن لبنان على أبواب انتخابات نيابية". فما هي ابعاد حملة الرئيس عون على المساعدات التي تقدمها بعض الدول لجمعيات المجتمع المدني؟
النائبة المستقيلة بولا يعقوبيان والناشطة في المجتمع المدني تقول لـ"المركزية": "سمعت موقف رئيس الجمهورية واستغربت كثيرا كيف يمكن ان يصدر هذا الكلام اللامسؤول على لسان أرفع مسؤول في الدولة"، مشيرة الى ان "اكثر من يضرب الثقة في لبنان هي الطبقة السياسية التي اوصلت لبنان الى بلد فاقد، بشكل كامل، ثقة العالم كله. لذلك قرر هذا العالم ان ينسق مع الجمعيات ومع المجتمع المدني وليس مع الطبقة السياسية، لأن الجميع يعرف ان تصنيفنا فيما يخص مواضيع الفساد ومؤشرات الشفافية هو الادنى في العالم. وليس فقط بين الادنى، بل اصبحنا اسوأ بلد في العالم في موضوع الفساد وفقدان الشفافية".
وتضيف يعقوبيان: "لحسن الحظ، عندما قرر العالم ان يساعد بيروت بعد انفجار المرفأ، كانت هناك جمعيات جاهزة وحاضرة وقادرة على ان تقوم بهذا العمل. انا لا اقول ان كل الجمعيات نزيهة وجيدة وعملها مئة في المئة منضبط، لكن، برغم كل المساوئ، اذا ما وجدت مساوئ إضافة الى كل الملاحظات التي من الممكن ان تكون موجودة، افضل بأشواط من هذا العهد وهذه الطبقة السياسية. أثق مليار مرة بجمعية ولا أثق بسياسيي لبنان بعدما عاينّا اعمالهم والى اين اوصلوا البلد بفسادهم".
وتتابع: "اشدد واكرر اننا في "حملة دفى" مثلا، وهنا أجزم ان الرئيس قصدنا بكلامه لأنهم عندما يتحدثون عن الجمعيات نكون اول المقصودين، فإن "حملة دفا" لا تتلقى الا مساعدات عينية، من ادوية ومواد غذائية تُوزَّع على المحتاجين بأكثر وافضل طريقة شفافة ممكنة، لذلك استغرب هذا الكلام. كما أنني شخصياً أعرف كيفية عمل قسم كبير من الجمعيات، اكان "بيت البركة" ام "فرح العطاء". وتستطرد يعقوبيان: "كتر الف خيرهم"، بفضل هؤلاء شهدت منطقة الانفجار بعضا من عملية إعادة الترميم والإعمار للأبنية المهدمة والمتضررة، وكل ذلك بفضل جهود وعمل جمعيات، في ظل غياب مدوٍ وتام للسلطة اللبنانية، لا بل تحاربها أيضاً، ووصلت حربهم ان يسأل رئيس الجمهورية لماذا الدول تتعاطى مباشرة مع هذه الجمعيات؟ مع من عليهم ان يعملوا؟ فهو بذلك يضرب إمكانية صمود اللبناني وإمكانية ان يتمكن أحد ما من الوقوف بقرب اللبنانيين في الوقت الذي نجد فيه الدولة عاجزة. وصلت كمية من الشاي كمساعدة إلى قصر بعبدا، ورأينا ما حلّ بها. من سيصدق السلطة او يفكر في مساعدة هؤلاء بعد ذلك؟".
وتختم: "لذلك اعود واؤكد ان هذا الموضوع هو بالنسبة لنا موضوع حياة او موت للبنانيين ونحن في جمعية "دفى" حتى في عملية إعادة الاعمار التي شاركنا فيها، لم نأخذ اموالا بل مساعدات عينية فقط لا غير".
المصدر: وكالة الأنباء المركزية