مخاض عسير.. لماذا لا يمكن "استنساخ" السيناريو الأميركي لبنانيًا؟!

مخاض عسير.. لماذا لا يمكن "استنساخ" السيناريو الأميركي لبنانيًا؟!
مخاض عسير.. لماذا لا يمكن "استنساخ" السيناريو الأميركي لبنانيًا؟!

بالنسبة إلى كثيرين، لم يكن انتخاب الجمهوري كيفن مكارثي رئيسًا لمجلس النواب الأميركي خلفًا لنانسي بيلوسي مجرّد فصل آخر من فصول "الديمقراطية الأميركية"، خصوصًا بعد "التوترات الحادة" التي أحاطت به، والتي انعكست مشاحنات لم يشهد الكونغرس مثلها من قبل، وأدّت إلى إخفاق النواب في انتخاب رئيس له طيلة 14 جلسة متتالية على مدى أربعة أيام، في حادثة لم تشهدها الولايات المتحدة منذ قرن كامل.

 

وإذا كانت "تركيبة" مجلس النواب الأميركي أسهمت في حصول هذه "الظاهرة"، بالنظر إلى الأكثرية "الضئيلة" التي حققها الحزب الجمهوري في الانتخابات الأخيرة، والذي يبدو أنّ الانقسامات عصفت بالنواب المحسوبين عليه، فإنّ النتيجة كانت أنّ مجموعة من هؤلاء "رضخت" في نهاية المطاف، بعد "ضمانات" حصلت عليها، وربما تدخّل الرئيس السابق دونالد ترامب شخصيًا كما ذكرت معلومات صحافية.

 

ومع "المفاجأة" التي ولّدتها هذه الانتخابات عند كثيرين، فإنّ "إسقاط" نموذجها على المشهد اللبناني بدا "مغريًا" لكثيرين في الايام الماضية ، فـ"تركيبة" البرلمان اللبناني هشّة بدورها بغياب أكثرية "حاسمة"، ولو أنّ "الاستعراض" يحلّ لبنانيًا ضيفًا "ثقيلاً" على جلسات الانتخابات، بدل "الفوضى والبلبلة"، فما الذي يمنع "استنساخ" السيناريو الأميركي بالكامل، بما يتيح انتخاب رئيس للجمهورية في نهاية المطاف؟!

 

قراءات "متفاوتة"

 يتّفق اللبنانيون على أنّ الحدث الأميركي "الاستثنائي والمباغت" وجد صداه على مستوى الانتخابات الرئاسية، فهناك من وجد في الحادثة "محفّزًا" لتبرير الفراغ الرئاسي، واعتباره "جزءًا من الديمقراطية"، طالما أنّ الانتخابات يمكن أن تُعطّل حتى في بلاد "العمّ سام" التي يفترض أنّها تصدّر الديمقراطية إلى العالم أجمع، وبالتالي فإنّ ما يحصل في لبنان ليس حالة "فريدة" لا يمكن أن تشهدها أيّ "ديمقراطية" على مستوى العالم.

 

لكن، وكما في مقاربة كلّ الأحداث، فإنّ "قراءة" الحدث الأميركي تفاوتت لبنانيًا، فالمحسوبون على قوى المعارضة وجدوا "العِبرة" في وتيرة الجلسات "المفتوحة" التي عقدت، ولم تنتهِ سوى بإسدال الستار على الاستحقاق، وهو الرأي الذي عبّر عنه مثلاً رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، الذي دعا إلى "الاتعاظ قليلاً" ممّا جرى في أميركا، معتبرًا أن "الحوار الرسمي يتمّ في مجلس النواب بين دورة ودورة"، حتى إنجاز المهمّة خلال ساعات أو أيام.

 

في المقابل، فإنّ خصوم "القوات"، ولا سيما المحسوبين على "الثنائي الشيعي"، وجدوا "العبرة" في الحوار الذي تمّ على هامش الجلسات، وأفضى إلى "تفاهم" سمح بانتخاب رئيس مجلس النواب الأميركي، معتبرين أنّ المطلوب "ترجمة" ذلك على المستوى اللبناني، من خلال التعامل بجدية مع دعوة رئيس البرلمان نبيه بري إلى الحوار، لأنه ثبُت أنّ لا غنى عنه لتحرير الاستحقاق الرئاسي، بشهادة "العمّ سام"، إن جاز التعبير.

 

"فوارق" كبرى

 هكذا، واستنادًا إلى "المخاض العسير"، الذي حرّر في النهاية عملية انتخاب رئيس مجلس النواب الأميركي، سواء بتدخّل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، أو بحصول النواب المحسوبين عليه على "ضمانات" أو غير ذلك، ثمّة من يعتبر أنّ الأمر نفسه يمكن أن يحصل على مستوى الاستحقاق الرئاسي في لبنان، إلا أنّ هناك في المقابل من يشير إلى "استعصاء" في هذا السياق، يكمن في عدد من الفوارق "الكبرى" على المستويين السياسي والدستوري.

 

فصحيح أنّ "تركيبة" مجلس النواب الأميركي لا تبدو "مثاليّة"، إلا أنّ الانقسام اللبناني "العميق" لا يشبه أيّ انقسام آخر، ففي الكونغرس ثمّة أكثرية واضحة للحزب الجمهوري، ولو كانت "ضئيلة"، وبالتالي فإنّ الخلاف كان "داخليًا"، في حين أنّ الوضع في لبنان مغاير حيث لا يستقيم الحديث عن اصطفافين أو معسكرين متنافسين، وبالتالي فإنّ الأكثرية "ضائعة" بين قوى متباينة، ولو حاولت كلّ منها نسب "الأكثرية" لنفسها.

 

وإلى ذلك، يضيف البعض "عقدًا دستورية"، سواء في الشكل، من حيث "فصل الدورات" الذي يتبعه رئيس مجلس النواب نبيه بري، كلما طار النصاب، فيما تطالبه المعارضة باعتماد "الدورات المفتوحة"، أو حتى في المضمون، لجهة القراءات المتباينة للنصاب المطلوب لحضور الدورة الثانية، وإصرار قوى سياسية عدّة على "تشريع" مقاطعة الجلسات، بوصفها "خيارًا ديمقراطيًا مشروعًا"، وهو ما يثير الجدل في الأوساط القانونية.

 

لا تعني هذه الفوارق أنّ "إسقاط" نموذج انتخاب رئيس مجلس النواب الأميركي "مستحيل" لبنانيًا، فـ"العبرة" تبقى موجودة، وقوامها أنّ الحلّ يكمن أولاً وأخيرًا بالحوار والتفاهم، بمعزل عن شكل هذا الحوار، وما إذا كان بين دورة وأخرى، أو منفصلاً عن الجلسات الانتخابية بالكامل. ففي أميركا، رضخ بعض المعترضين، بعد تحقيق مطالبهم وحصولهم على ضمانات، وهو تمامًا ما يفترض بأيّ "تسوية" أن تتوخاه، رغم ما تثيره العبارة من "حساسيات" لدى البعض!

 

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى