كتب أسعد بشارة في “نداء الوطن”:
جهّزت القيادة الفلسطينية لزيارة البابا لاوون الرابع عشر إلى لبنان بطريقة مختلفة هذه المرة. فالاستقبال الفلسطيني للحبر الأعظم اتخذ بُعدًا أشمل من مجرد بروتوكول احتفالي، ليصبح مناسبة سياسية وروحية تعبّر عن تطلعات شعبٍ ينتظر منذ عقود لحظة الخلاص والعودة. في المخيمات كافة، من الشمال إلى الجنوب، ارتفعت يافطات الترحاب بقداسته، حملت رسائل واضحة تتجاوز حدود الضيافة التقليدية، لتؤكّد الارتباط العميق بين الشعب الفلسطيني والكنيسة الكاثوليكية التي لم تتأخر يومًا عن دعم الحق الفلسطيني في المحافل الدولية.
الفلسطينيون في لبنان معنيون اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن تترجم زيارة البابا إلى دعم فعلي لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وحق تقرير المصير. فقد شكّلت التجربة التاريخية للفاتيكان في الوقوف إلى جانب العدالة الإنسانية حافزًا إضافيًا للمخيمات التي أرادت أن تقول عبر اليافطات إن الطريق إلى الأمن والاستقرار والكرامة يمرّ عبر إنهاء الاحتلال وعودة الفلسطينيين إلى وطنهم. ولعل أبرز هذه اليافطات تلك التي كُتبت بعبارة تجمع البعدين اللبناني والفلسطيني معًا
“قداسة البابا… لبنان وفلسطين أمانة بين يديك، وزيارتك نافذة نور للعودة إلى وطننا فلسطين”.
هذه الرسائل تأتي في وقت تشهد فيه الساحة الفلسطينية في لبنان تحوّلًا لافتًا. فالفلسطينيون نفضوا عنهم غبار الماضي، وأعادوا توجيه البوصلة نحو فلسطين حصرًا، بعيدًا من الاستخدامات السياسية والأمنية التي عانوا منها لسنوات طويلة. إدارة فلسطينية جديدة تتشكل في لبنان، يقودها السفير محمد الأسعد، ويتابعها بتفاصيلها ياسر عباس، نجل الرئيس محمود عباس، الذي تربطه بلبنان علاقة وثيقة تعود إلى سنوات طويلة.
مرحلة استخدام الورقة الفلسطينية للتخريب تكاد تطوى، باستثناء بعض قوى “الممانعة الفلسطينية” التي لا تزال تصرّ على إبقاء الملف الأمني عالقًا عبر الامتناع عن تسليم السلاح. أما الرئيس أبو مازن، فبات تركيزه منصبًّا على الداخل الفلسطيني، على لملمة جراح غزة، ومنع التمدد الإسرائيلي في الضفة، وإعادة بناء المشهد الوطني بما ينسجم مع المشروع السياسي للسلطة.
وفي العلاقة مع لبنان، تنتظر السلطة الفلسطينية خطوات إضافية من الدولة اللبنانية لبسط سلطتها على المخيمات، بما يعيد تنظيم الحياة فيها ويُنهي الفوضى التي استفادت منها أطراف عديدة.
تلك اليافطات لم تكن مجرد كلمات ترحيب، بل خلاصة رؤية سياسية جديدة للفلسطينيين في لبنان. رؤية تعتبر أن زيارة البابا ليست حدثًا عابرًا، بل فرصة تاريخية لتظهير معاناة شعب ولتثبيت البعد الأخلاقي لقضيته أمام أعلى مرجعية روحية في العالم.
إنها لحظة تكريس مصالحة لبنانية فلسطينية قائمة على احترام سيادة لبنان وضمان حقوق الفلسطينيين كلاجئين بانتظار العودة.
لا توطين ولا تجنيس، بل عودة إلى الدولة المستقلة.



