اعتبر العلّامة السيّد علي فضل الله، أن “الأمانة صفm من أهمّ الفضائل الأخلاقيّة والقيم الإنسانيّة على الإطلاق. وقد اعتبرها الله ميزةً خاصّةً للإنسان يتميّز بها عن بقيّة الكائنات. ويمتدّ مفهوم الأمانة إلى آفاق واسعة، فهي تشمل كلّ المسؤوليّات التي حمّلنا الله إيّاها في الحياة، وتلك التي قبلنا تحمّلها بإرادتنا، أو ألقتها على عاتقنا المجتمعات التي نعيش فيها. وقد حمّلنا الله مسؤوليّة الدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، والعمل على أن يبقى حضوره قويّاً وصلباً في الحياة الخاصّة والعامّة”.
وقال: “تُعدّ الأمانة رأس مال المجتمع الإنسانيّ، فمن خلالها يأمن الأفراد على ممتلكاتهم ومقدّراتهم، ويحافظ المجتمع على طاقاته وإمكاناته وثرواته. كما تُصان من خلالها الأموال العامّة التي يُستباح بعضها بحجّة أنّها “مالٌ لا صاحب له”، فيغفل البعض أنّ هذا المال هو ملكٌ لكلّ المجتمع، وأنّ الاعتداء عليه هو اعتداء على كلّ أفراده”.
وأضاف فضل الله: “تتحرّك الأمانة في كلّ أقوالنا وأفعالنا؛ فمجالس الناس أمانة، وواجبٌ علينا الحفاظ على أسرارهم وخصوصيّاتهم، فلا نبوح بها وإن باحوا هم بأسرارنا. وكما أنّ للأمانة بُعداً فرديّاً، فلها أيضاً بُعدٌ جماعيّ يمسّ سلامة المجتمع واستقراره”.
وتابع: “إذا كنّا اليوم نعاني من فوضى أو فساد أو اختراق أو عمالة في مجتمعاتنا، فإنّ ذلك يعود إلى غياب الشعور بالمسؤوليّة لدى البعض ممّن تقع تحت أيديهم مقدّرات المجتمع وإمكاناته، فلا يفكّرون إلّا في مصالحهم الخاصّة الضيّقة، بعيداً عن حسابات الله والوطن والمجتمع”.
كما أشار إلى أنّ “المشكلة الكبرى تكمن في الخلط بين العام والخاص، حيث يتيح البعض لأنفسهم التصرّف بما هو عامّ وكأنّه ملكٌ شخصيّ. وكم نحن بحاجةٍ اليوم إلى استعادة قيمة الأمانة، التي اعتبرتها الأحاديث عنواناً للدّين، وإلى إعادة صياغة نظرتنا إلى الأمور وتقييمنا للأشخاص على أساسٍ متين من الصدق والنزاهة والدقّة”.
وأردف: “مشكلتنا في هذا البلد أنّ غالبية من يتولّى مواقع المسؤولية يتعامل معها باعتبارها مواقع خاصّة، ويتصرّف بالمال العام على أساس أنّه مالٌ خاص ومن حقّه التصرّف فيه، حتى في التعيينات التي لا تُبنى غالباً على الكفاءة والنزاهة والمؤهّلات، بل على تقاسم الحصص والولاءات لهذا الزعيم أو ذاك الحزب، وهو ما أدّى إلى الفساد والهدر وتعطّل الدولة عن القيام بمسؤوليّاتها تجاه مواطنيها”.
وفي معرض ردّه على سؤال حول ما إذا كانت الحكومة قد أخطأت في تعيين مدنيّ للتفاوض، أجاب: “رغم الضغوط الهائلة التي يتعرّض لها الوطن والدولة، إلا أنّنا نرى أنّها تسرّعت في هذه الخطوة، إذ كان من المفترض عدم تقديم أيّ تنازل مجاني من دون مقابل، وإلا فإنّ العدو سيزيد من تهويله واعتداءاته للحصول على مكاسب وتنازلات لا تصبّ في مصلحة هذا الوطن”.
كذلك، أبدى خشيته من وجود مشروع يُخطَّط له لاستبدال قوات “اليونيفيل” بقوات أجنبيّة أخرى بهدف إنشاء منطقة عازلة تخدم مصالح هذا الكيان.
وختم كلامه حول زيارة البابا، مقدّراً هذه الزيارة و”هذا الإجماع الوطني الذي رافقها”، لكنّه عبّر عن خشيته من “أن يبقى كلّ ما حصل ضمن إطار المجاملات التي اعتدنا عليها في هذا الوطن، لتنتهي مفاعيلها بانتهاء الزيارة، ويعود اللبنانيّون إلى تمترسهم خلف طوائفهم ومذاهبهم ومواقعهم السياسيّة، فنشهد مجدّداً الخطاب المتشنّج والمحرّض المنطلق من هنا وهناك”.



