كتب زياد البيطار في “نداء الوطن”:
قبل ساعات قليلة من اغتياله، قال محمد شطح كلمته الأخيرة، كمن يدوّن وصيّته السياسية بوعي كامل للمخاطر: “حزب الله يهوّل ويضغط ليصل إلى ما كان النظام السوري قد فرضه لمدة 15 عامًا: تخلّي الدولة عن دورها وقرارها السيادي في الأمن والسياسة الخارجية”.
لم تكن تلك الجملة مجرّد تحليل سياسي عابر، بل شكلت توصيفًا دقيقًا لمسارٍ كان يُراد له أن يُفرض على لبنان بالقوة، وهو ما دفع ثمنه محمد شطح دمًا، في انفجارٍ استهدفه أثناء توجهه إلى اجتماع لقيادات قوى 14 آذار، بين مجمّع ستاركو وفندق فينيسيا، في 27 كانون الأول 2013.
بعد اثني عشر عامًا على اغتياله، يتبيّن للبنانيين وللرأي العام أن محمد شطح كان على حق. لم يكن الرجل أسير انفعالٍ سياسي، بل صاحب رؤية مبنية على تجربة عميقة في الدولة والدبلوماسية والاقتصاد الدولي. فقد أدرك باكرًا أن حزب الله لم يعد حزبًا لبنانيًا يعمل ضمن منطق الدولة، ولا مقاومةً حصرية للدفاع عن الأرض، بل أصبح جزءًا عضويًا من المحور الإيراني، وفرعًا متقدمًا للحرس الثوري، يربط القرار اللبناني بأجندة خارجية لا تشبه لبنان ولا أولوياته.
اغتيال محمد شطح لم يكن حدثًا أمنيًا عابرًا، بل جريمة سياسية بامتياز، استهدفت فكرًا ونهجًا شكّلا أحد أعمدة ثورة الأرز. شطح، الذي عمل في صندوق النقد الدولي في الولايات المتحدة وتبوّأ مناصب رفيعة، منها مستشار لمجلس إدارة الصندوق عن منطقة الشرق الأوسط ونائب المدير التنفيذي، وشغل منصب سفير لبنان لدى الولايات المتحدة، وكان مستشارًا لرئيسي الحكومة فؤاد السنيورة وسعد الحريري، كان نموذجًا للمسؤول اللبناني المؤمن بالدولة، وبالاقتصاد الحر، وبالعلاقات العربية والدولية المتوازنة.
من خطّط ونفّذ وسهّل اغتياله كان يدرك تمامًا أنه لا يقتل شخصًا، بل يحاول اغتيال فكرة: فكرة لبنان السيّد، المتنوّع، الجامع، الذي وُلد من رحم ثورة الأرز عام 2005. تلك الثورة التي جمعت اللبنانيين من مختلف الطوائف والمناطق حول شعار واحد: لبنان أولًا. ولهذا السبب، شكّلت خطرًا على كل مشروعٍ اعتاد مصادرة القرار اللبناني، سواء باسم الوصاية السورية في الأمس، أو باسم “الممانعة” والولاء الإيراني اليوم.
لقد حاول النظام السوري سابقًا، عبر أدواته في لبنان، تفكيك هذه الوحدة الوطنية، كما تُستكمل المحاولة اليوم عبر السلاح غير الشرعي ومنطق الدويلة داخل الدولة. لكن تجربة السنوات الماضية أثبتت أن المشاريع القائمة على القمع واحتكار القرار لا تدوم، مهما طال الزمن.
اطمئن يا محمد شطح. قد يُغتال الجسد، لكن الأفكار لا تموت. النظام الذي صادر الدولة وقمع الفكر وهيمن على القرار رحل، وسقطت معه أوهامه. والمعركة من أجل الدولة لم تنتهِ، لكنها مستمرة بإرادة اللبنانيين الذين آمنوا بلبنان الحرّ، لبنان الدولة، لبنان السيادة.
بقيت أفكارك، وتناقلتها الأجيال، كما بقيت ذكرى رفاقك من شهداء ثورة الأرز. واليوم، ومع عودة النقاش الجدي حول حصرية السلاح وبناء الدولة، يدرك كثيرون أن ما حذّرت منه لم يكن تهويلًا، بل قراءة مبكرة للحقيقة.
اشهدوا لمحمد شطح، أيها اللبنانيون، فالحق قد يُحاصَر، وقد يُستهدف، لكنه لا يموت.



