البلطجة كما يرويها لبنانيّ غاضب: "ولد ذلني قدام عيلتي"!

البلطجة كما يرويها لبنانيّ غاضب: "ولد ذلني قدام عيلتي"!
البلطجة كما يرويها لبنانيّ غاضب: "ولد ذلني قدام عيلتي"!

ليس "في فمه ماء". جفافٌ يعيق الكلمات التي أراد من خلالها وصف حالته، أمامنا. لم يجد سبيلاً للتنفيس عن غضبه سوى في الحديث للإعلام. يريد أن يزيح هذا الحجر عن صدره. تظنّه مبالغاً في ردود فعله عندما تسمعه يتمنى أن تقلّه طائرة في الحال إلى أي بلد آخر على وجه هذه الكرة الأرضية. حتى لو كان هذا البلد من بلاد العالم الثالث. "كلو ما عدا لبنان"!

رجلٌ في الخمسين من عمره. هو ربّ عائلة ويملك شركة تجارية خاصة. أراد أن يوصل "لبنان24" وجعه إلى الجميع، أولّهم من هم في موقع المسؤولية والحكم. لعلّ وعسى!

يبدأ بسرد تفاصيل ما حدث معه منذ يومين بمقدمات تمهيدية يحاول من خلالها القول إن "قصته سخيفة" مقارنة مع كلّ ما حدث ويحدث في لبنان. لكنه سرعان ما يعود ويقرّ بأنّ "الموضوع مش مزحة"، و"الحادثة" على سخافتها، هي خطيرة فعلاً!

يقول:"كنت أقود السيارة عائداً من منطقة الفنار، وكانت معي زوجتي وابنتي العشرينية. وصلت إلى مكان حيث ثمة تقاطع لطريق فرعية، لكن أفضلية المرور كانت طبعاً لي. فجأة مرّت من أمامي دراجة نارية عبرت إلى الجهة المقابلة، ولمحت أنّ هناك دراجة أخرى آتية أيضاً. عملياً وقانونياً، لا يفترض بي أن أتوقف إفساحاً في المرور كوني أحق بالعبور في دربي، ومع ذلك توقفت كي أتيح لسائق الدراجة النارية الأخرى اللحاق برفيقه. فعلت حسناً لكنني قوبلت بشرّ"!

تلوح في عيني محدثنا دموع وشرارات نقمة وأسف. يكمل حديثه:" تقدّم سائق الدراجة النارية قليلاً وتوّقف فجأة أمام سيارتي. نظر إليّ نظرة مريبة ووضع يده على جيب بنطاله كاشفاً عن مسدسه. كأن به يقول "كلمة وحدة وبقوّصك". لم أستوعب بداية ما كان يحدث. زوجتي كذلك إذ راحت تسأل "شو بو هيدا ليش وقف هيك"؟! وحدها ابنتي المقيمة في بيروت راحت تصرخ بي:"بابا مشي، هيدا معو فرض وبدو يعمل مشكل". المضحك المبكي أنها طلبت مني أيضاً أن أعتذر منه وأكمل في طريقي بهدوء".

يضيف محدثنا:"في تلك اللحظات لم أفكر إلا بعائلتي. ماذا لو قرر هذا "الأزعر" المستقوي بسلاح متفلت أن يطلق النار علينا؟ ماذا لو استدعى زمرته وقاموا بمحاصرتنا؟ ماذا لو غدوت، في لحظات، جورج الريف أو روي حاموش أو سواهما من ضحايا الأمن الغائب والبلطجة السائدة في بلد المؤسسات على ما يفترض"؟!

لم يجد الرجل نفسه إلّا "مستسلماً" وكاتماً أنفاسه وغضبه. بهدوء، أكمل سيره وعيناه معلقتان في المرآة تحسباً لأن يلحق "الزعران" به.

مضت على خير. لم يصب تلك العائلة اي مكروه جسدي، لكنّ الأذى النفسي أصاب في الصميم. المشاعر التي تراود هذا المواطن اللبناني الخاضع للقوانين والمؤسسات والمؤمن بالدولة (حتى البارحة) متعددة ومتنوّعة، بحسب ما يكشف: "غضب على يأس على ذلّ على حزن على أسف على كراهية على امتنان وشكر لدوام الصحة...".

لعلّ أكثر ما "يحزّ في قلبه" أنّ ولداً أرعناً أذلّه أمام عائلته. هو الذي عاش الحروب في لبنان واختبر مرّها، يكاد يقول إنّ تلك الحقبات أرحم:" على القليلة منعرف إنو زمن حرب، وبالحرب بصير في أخطاء وخطايا كثير".

صحيحٌ أنّ ما حدث مع محدثنا ليس بشيء أمام الجرائم التي حصلت ولا تزال بسبب تفلّت السلاح وشعور بعض المواطنين بأنهم أقوى من الدولة والنصوص القانونية وجميع المسؤولين. لكنّ الأكيد ايضاً أن ما حصل معه ليس بتفصيل عابر أو تافه أو ثانويّ. بلى "القصة حرزانة ومش بسيطة". بلى، كان يمكن أن ينضمّ الرجل أو أحد أفراد عائلته إلى لائحة ضحايا الموت الرخيص. موتٌ رخيص يقرره أشخاص يعيشون في بؤر أمنية منتشرة على الخارطة اللبنانية. أشخاصٌ مطلوبون للعدالة ومع ذلك ما زالوا طليقين. أشخاصٌ "محميون" من قبل قوى الأمر الواقع. أشخاص "تحوّلهم" المخدرات والممنوعات وحوشاً مخيفة وقنابل موقوتة.

بلى، الحادثة كما هي، خطيرة و"زيادة"! ثمّة مواطنون لبنانيون يشعرون بأنهم "برغش"، لا قيمة لهم ولا أي اعتبار، فيما "يتفرعن" آخرون ويبلطجون من دون اي حسيب أو رقيب في بلد يعيش حال سلم على ما يفترض، بل هو قادم على استحقاق انتخابيّ.

ثمّة مواطنون ارتضوا أن تُسلب منهم الكثير من الحقوق (بما فيها الحق بالاقتراع 3 مرات)، وأن يتأقلموا مع أسلوب عيش فيه الكثير من الذلّ والتعب بسبب الفساد السائد، وأن يسددوا فاتورتين وأن يتناولوا الأوساخ ويناموا في أحضانها... لكنهم ما ارتضوا أبداً أن تسلب منهم الكرامة.

عن أيّ كرامة نتحدث؟ وهل تكون كرامة مجتزأة؟ وهل تكون مرتبطة فقط بعدم الموت "بالرخيص" على الطريق؟ لا، الكرامة لا تكون إلّا في دولة المؤسسات والأمن والمساواة والحقوق والعدالة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى