إنه "العيب"، أخطر أنواع الأسلحة الاجتماعية وأشدّها فتكاً على الإطلاق في مجتمعاتنا العربية. فالخوف من الألسنة الخبيثة التي لا يسلم منها احد يُعتبر من أكثر الظواهر السلبية المنتشرة في أيامنا هذه، وهي تهدد كيان المجتمع وتتحكم بمصائر الناس وسلوكياتهم التي تطغى عليها العادات والتقاليد الاجتماعية الموروثة أبّاً عن جد.
ومع تطوّر التكنولوجيا، من مواقع التواصل الاجتماعي الى الهواتف الذكية وتطبيقات "الدردشة" وغيرها من أساليب الاتصال المباشر، انتشرت ظاهرة "الإبتزاز الالكتروني"، وهي من الجرائم الشائعة جدا في بلادنا، والتي تصاعدت مؤخراً بنسبة كبيرة خصوصاً مع غياب تطبيق عقوبات جدية على مرتكبي هذا الجرم، إضافة الى أن صمت الضحية خشية "العيب" والفضيحة وإلحاق العار بعائلتها ومحيطها، يجعل من الجاني اكثر شراسة وإمعاناً في ممارساته اللاأخلاقية.
"سيرينا" ابنة الأربعة عشر عاماً كسرت قيود الصمت وتحررت من رُعبها وخرجت عبر برنامج "هوا الحرية" على شاشة الـ LBCI، لتواجه "بُعبُع" المجتمع علّها تكون عبرة لسواها من الفتيات اللواتي غُرّر بهن ووقعن في فخ العلاقات الالكترونية. لم تكن الطفلة تعي ما يدور من حولها، إذ كانت تتعرض لشتى انواع الابتزاز من قبل فتى من سكان الجوار الذي استطاع ان يستغلّ خوفها من الفضيحة عبر تهديدها بفضح صورها على مواقع التواصل الاجتماعي تارة، او بالاعتداء على أخيها تارة اخرى، فما كان على الضحية الا أن رضخت لمطالبه التي حوّلت حياتها الى كابوس تنامى في يومياتها حتى بلغ عامه الثالث.
مصيبةٌ أحلّت بالعائلة التي اتخذت القانون سبيلا للنيل من المجرم ولكن أمام "تلكّك" الجهات المختصّة وقلق الأهل على مستقبل ابنتهم من الأذى النفسي الذي أُلحق بها، خصوصا وأن فكرة الانتحار سيطرت عليها اكثر من مرة وكادت في احداها أن تودي بحياتها، جعلت منهم مضطرين للظهور الإعلامي عسى ان يتحقق العدل ويأخذ القانون المتخاذل مجراه.
ومما لا شكّ فيه أن الأحكام الظالمة التي يطلقها المجتمع بحق الضحية تُعتبر احد اهم الأسباب التي تدفعها "للمسايرة" لوقت طويل، إضافة الى أن "سيرينا" كانت محظوظة إذ حظيت بمساندة أسرية عالية مكّنتها من المواجهة، الا أن النسبة الأكبر من الضحايا يقعن تحت تأثير الخوف من المجهول حيث غالبا ما تُعتبر المجني عليها في مجتمعاتنا الضيقة شريكة بالفعل، خصوصا إذا كانت أنثى، فللذكور دوماً خاصيّة "الفرفور ذنبو مغفور".
تقول "سيرينا" أنها أصبحت عاجزة عن مواجهة المجتمع، فلربما وصلت أخبارها الى أبناء الحي وزملائها في الدراسة، إضافة الى صعوبة التواصل مع المقربين لشعورها الدفين بالقذارة والدونية. احساسٌ فظيع لفتاة ما زالت على عتبة المراهقة، تحمل في ذاكرتها طعنات غدرٍ في مرحلة يُفترض أن تبدأ فيها بتكوين شخصيتيها ضمن حيّزٍ واسع من الشعور بالأمان.
مواجهة "الابتزاز الالكتروني" ممكنة، إذ يمكن القضاء عليه بفرض عقوبات قاسية على الجاني كذلك فإن نشر التوعية الاجتماعية في المدارس والجامعات والندوات من شأنه أن يحدّ منه بشكل كبير، إضافة الى التركيز على ضرورة إزالة هاجس الخوف من الفضيحة ومواجهتها وتعزيز دور المجتمع في دعم الضحية عوضا عن تحقيرها، وتبنّي وسائل الإعلام لهذه القضايا، جميعها عواملٌ قد تساعد في تقويم المجتمع وإلغاء ثقافة دفن الرؤوس في الرمال، التي تؤدي الى استمرار الخطأ وتكرار الجرم.
حربٌ نفسية خاضتها بُرعمة تفتحت على معاني الرغبات الحيوانية التي انتهكت براءتها وشوّهت ملامحها النفسية، والخوف على سمعتها وعلى حياة عزيز من افراد عائلتها جعل منها فريسة بين مخالب وحشٍ مراهق لم يتوانَ عن الخوض في عرضها وراح يلوك في سمعتها جهارة من دون أي رادع اخلاقي او ديني، فمتى يتحرّك القانون لوضع حدّ للاغتصاب المعنوي والانحلال الأخلاقي والفوضى والتقصير المخجل ضمن مجتمع يدّعي بأنه محافظ بينما ازدحام القاع فيه سيطوف قريباً و "الله ينجّينا"!!