يصف تقرير البنك الدولي الإقتصاد اللبناني بنموذج نموّ ذات عيوب (defective growth model) بسب قلة الإصلاحات البنيوية وبسبب إتكاله على السياحة والعقارات لخلق النموّ فيصبح الإقتصاد رهينة لتباطؤ في هذين القطاعين، وتصبح كلفة تمويل إستهلاك الإقتصاد عالية جداً وتترجم بسياسة مالية مكلفة ودين خيالي يؤدي إلى تكبيل القدرة على الإنفاق المنتج لأن الموازنة تصبح معظمها مسخّرة لخدمة الدين.
الدول الصغيرة التي لديها عديد شعب شبيه بلبنان ولكن لديها إقتصاد أضعاف إقتصادنا فقد إختارت نظام إقتصادي ملائم لها، فما الملائم للبنان وكيف نصل إليه؟
إعادة هيكلة النظام الإقتصادي اللبناني:
إعادة النظر باقتصادنا وتفعيله بالموجود من مقوّمات يمكن أن ينشله من حالته. بعض الأفكار التي يمكن أن تأتي بمفعول فوري وتؤدي إلى نتائج في أقل من خمس سنوات:
تحصين وإنماء قطاع الزراعة والمواد الغذائية لتخفيف إتكال لبنان على الاستيراد فهذا يخلق أمن غذائي، يرفع من مستوى المعيشي للأسر العاملة في الزراعة والتي بمعظمها محدودة الدخل، ويخفف الضغط على إحتياطي الدولار إذ يستورد لبنان حالياً حوالى ٣ مليارات دولار من المواد الغذائية وهي بمفردها أعلى من جميع صادرات لبنان. طبعاً هذا يتطلب خطط مائية وتجارية وزراعية وبيئية لإتمام هذه الرؤية.
تعزيز الصناعة بجميع اشكالها بما فيها الأدوية والتي لا يمكن أن تزدهر قبل إصلاح قطاع الكهرباء الذي أصبح يهدد النظام بأكمله. فإصلاحه الذي طال كثيراً سيوقف النزيف في المالية العامة، في ميزان المدفوعات وفي إحتياطي مصرف لبنان، وسيطلق القدرة على أن تكون صناعتنا تنافسية في المنطقة.
الإستثمار في الطبابة والتعليم وبالتالي بالرأس المال البشري اللبناني قبل أن يصبح تصديرنا للكفاءة أيضاً في خطر بعد أن تراجع المستوى الصحي والتربوي للبنانيين.
تشجيع وإنماء قطاعات جديدة لكي يصبح الناتج القومي متنوع وصلب أمام تقلبات نعرف أنها لن تختفي في الزمان القريب. قطاعات مثل إقتصاد المعرفة والحشيشة لاغراض طبية مهمين جداً ولكن مهم أيضاً إدخال غيرها على سبيل المثال البيو تكنولوجي والتصنيع الدقيق (precision manufacturing)
تحصيل الضرائب كنسبة من الناتج المحلي هو أقل من ١٤٪ بينما يستطيع أن يكون ١٨٪ من دون زيادة ضرائب جديدة. الحل هو إعادة الثقة بين المواطن والدولة كي يتحمل الكل دوره. على الدولة أن تؤمن الخدمات الأساسية وأن تعاقب المتخلفين عن الدفع، وعلى المواطن الإلتزام بدفع متوجباته. هذا العقد الإجتماعي لا يمكن إعادة لحمه قبل أن تأخد الدولة على عاتقها أداء دورها.
تمويل مشاريع انمائية ومربحة من خلال الشراكة مع القطاع الخاص وليس من خلال استدانة جديدة من قبل الدولة. تصبح الودائع التي تستعمل حالياً لتمويل الإستيراد والجشع في الإستهلاك، متوافرة لتنمية البنى التحتية والتي تؤدي إلى إخراج القطاعات المنتجة من عنق الزجاجة.
العمل على تحسين شروط أداء الأعمال من خلال إصلاحات جذرية في معاملات الدولة لأنه أصبح مستحيلاً على لبنان جذب استثمارات حقيقية نظراً إلى التصنيفات أعلاه.
هذه الإجراءات جميعها ممكنة وسهلة التطبيق إذا وُجدت الإرادة؛ لبنان على مفترق طرق، ينهض ويزدهر بأبسط السياسات الإقتصادية أو يتابع تراجعه حتى تسبقه جميع الدول في العالم، والباقية قليلة، فيصبح التعويض عن الخسائر شبه مستحيل.