في 14 ايار 2016، أعلن حزب الله مقتل قائدها العسكري مصطفى بدر الدين، نتيجة ما قالت إنه “قصف مدفعي قامت به الجماعات التكفيرية” على مركز للميليشيات، قرب مطار دمشق الدولي، في رواية ضعيفة شكك كثيرون في صحتها، كل لأسبابه، لكن الرواية نجحت، ولو مرحليا، في إغلاق ملف اتهامه بالوقوف وراء عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
يسلط هذا التحقيق الضوء على بدر الدين، الذي يوصف بـ”الشبح”، فمعظم المصادر تؤكد مقتل الرجل، باستثناء مصدر واحد يشير إلى بقائه على قيد الحياة، لكنها كلها تجمع على التشكيك في الرواية التي عرضتها الميليشيات، وتشير أيضا إلى تعرض الحزب إلى اختراق أمني كبير.
الظهور مجددا
ولم يظهر الاسم بدر الدين في الإعلام بقوة إلا في يوم 10 حزيران 2011، عندما أصدرت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي شكلت للتحقيق في اغتيال الحريري عام 2005، قائمة المتهمين في العملية: وهم سليم عياش، وأسد صبرا، وحسين عنيسي، وحسن مرعي، بالإضافة إلى بدر الدين الذي يعتبر العقل المدبر للعملية.
وبعد أيام من قرار الاتهام، ظهر أمين العام الميليشيات، حسن نصر الله، في خطاب متلفز تعهد فيه بعدم تسليم المتهمين إلى المحكمة ولو بعد 300 سنة، في تصريح طغى عليه طابع التحدي.
لكن ماذا كان يفعل بدر الدين طيلة السنوات الممتدة بين 1990 و2011؟
يقول تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز” نشر عام 2015، أي قبل عام من إعلان اغتيال بدر الدين، نقلا عن مصادر استخبارية في الشرق الأوسط أن الرجل كان يعيش حياتين منفصلتين: الأولى سرية، حيث كان قائدا لما يعرف بـ”الوحدة 1800″، التي نفذت عمليات لحزب الله خارج لبنان، كما نسقت هذه الوحدة عمليات مع وحدة أخرى اسمها “2800” التي شنت هجمات في العراق.
ويضاف إلى ذلك، عملية اغتيال الحريري في 14 سباط 2005، وفق القرار الاتهامي الصادر عن المحكمة الدولية بحقه، وبعد اغتيال القائد العسكري السابق لحزب الله، عماد مغنية في دمشق 2008، تولى بدر الدين معظم مهامه.
أما الحياة الثانية التي كان القائد العسكري يعيشها، وفقما نقلت الصحيفة عن محققي المحكمة الدولية، فهي تعود لشخص يحمل اسم سامي عيسى، قدمه اليمنى عرجاء، يرتدي معظم الوقت نظارات رياضية وقبعة البيسبول الشهيرة، ويتنقل برفقة حراس شخصيين، كما كان يمتلك متجرين للمجوهرات.
في الحرب السورية
ومع تورط حزب الله في الحرب الأهلية في سوريا، كان لا بد من أن يكون بدر الدين هناك، كيف لا وهو الذي أصبح رقم واحد عسكريا في الميليشيا، عقب اغتيال صهره، مغنية.
يقول مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن بدر الدين كان دائم الحركة في سوريا، لكنه لا يطلع أحدا على هويته الحقيقية.
وأضاف، وفق معلومات حصل عليها المرصد، أن بدر الدين كان يقدم نفسه باسم “الحاج”، وهو مجرد قيادي عادي في الميليشيات، وذلك فقط أمام مقاتلي الحزب وضباط قوات النظام على حد سواء.
وظهرت معلومات مماثلة في أماكن أخرى، منها التحقيق في اغتيال الحريري، إذ كان لدى بدر الدين 13 هاتفا لا يتصل أحدها بالآخر، كما بعض الأشخاص الذين اتصلوا بها ربما لم يعرفوه سوى باسم سامي عيسى، وفق ما ذكر تقرير لـ”نيويورك تايمز”، فيما يؤكد أحد مسؤولي موقع “بيروت أوبزرفر” الإخباري، خالد نافع، أن بدر الدين رجل استخباري مخضرم يتعامل “كالشبح” حتى مع القيادات في حزبه.
وفي 14 ايار 2016، أي في اليوم التالي لإعلان مقتل بدر الدين، ذكرت ميليشيات حزب الله في بيان ثان:” التحقيقات أثبتت أن الانفجار الذي استهدف أحد مراكزنا بالقرب من مطار دمشق الدولي، والذي أدى إلى مقتل القائد السيد مصطفى بدر الدين، ناجم عن قصف مدفعي قامت به الجماعات التكفيرية المتواجدة في تلك المنطقة”.
رواية المرصد
لكن لدى المرصد معلومات مغايرة تماما، وقال في بيان أصدره حينها ” علم المرصد من مصادر في الفصائل.. العاملة في القطاع الجنوبي من الغوطة الشرقية ومصادر داخل قوات النظام أنه لم يتم إطلاق أي قذيفة صاروخية على مطار دمشق الدولي أو منطقة المطار خلال الأيام الفائتة، كما لم يرصد نشطاء المرصد السوري في المنطقة سقوط أي قذيفة”.
واعتبر المرصد أن “كل ما نشره حزب الله حول رواية مقتل قائده العسكري بقذيفة أطلقتها الفصائل على منطقة تواجده في منطقة مطار دمشق الدولي عار عن الصحة جملة وتفصيلا وعلى حزب الله أن يظهر الرواية الحقيقية”.
معلومات جديدة
والآن، وبعد مرور عامين ونصف العام على الحدث، يكشف مدير المرصد معلومات جديدة عن اغتيال بدر الدين.
وقال عبد الرحمن إن “بدر الدين قتل بعيد اجتماعه مع ضباط في جيش النظام السوري، الذين لم يكونوا على علم بهوية هذا الشخص، الأمر الذي يعني أن هناك خرقا أمنيا داخل حزب الله”.
وأضاف أن “الضباط سمعوا الانفجار بعد خروجهم من المكان الذي اجتمعوا فيه مع بدر الدين، وكانوا يعتقدون أنه مجرد قيادي في الحزب”.
وتابع: “بدر الدين قتل بانفجار عبوة ناسفة قد تكون إسرائيل أو أي جهة أخرى وضعتها في المكان”، مضيفا :” من المؤكد أنه قتل”.
ولفت إلى أن المرصد أفاد بوقوع انفجار في محيط مطار دمشق الدولي في اليوم الذي سبق إعلان ميليشيات حزب الله، أي يوم 12 مايو، لكن دون أنت تضح طبيعته.
وشدد عبد الرحمن على أنه لم يكن هناك إطلاق صواريخ من جهة الغوطة الشرقية، حيث كانت تنشط هناك فصائل مسلحة، قبل أن يجبرها النظام السوري على الرحيل في 2018.
وأضاف أنه لا إمكانيات لدى الفصائل في تلك المنطقة لإطلاق صواريخ تصل إلى 15-20 كيلومترا، وهي المسافة التي تفصلها عن مطار دمشق الدولي، حيث قتل بدر الدين، كما أن هذه الصواريخ، إن وجدت تفتقر للدقة.
وجدد التأكيد عن أن رواية حزب الله غير صحيحة إطلاقا، من أن لم يكن هناك إطلاق صواريخ في المنطقة، فضلا عن أن الانفجار لم يسفر عن سقوط قتلى سوى بدر الدين، الأمر الذي يثير علامات استفهام.