يكاد لبنان أن يَتَحَوّل «مَنْزلاً بحرائق كثيرة» في ظلّ أزمة تأليف الحكومة الجديدة التي باتت أشبه بـ «جاذبة صواعق» سياسية – أمنية – مالية تَتَشابَكُ مع العواصف الهوجاء في المنطقة المفتوحة على «صراع الفيلة».
وشكّل «امتحانُ الجاهلية» وما ارْتسم خلاله من «خطوط حمر» وتداعياتٍ على المستويين الأمني والسياسي، كما داخل البيت الدرزي، مؤشّراً واضحاً إلى مَخاطِر استمرار «الانكشاف» الذي يعبّر عنه تَعاظُم المأزق الحكومي وإيقاظ «الفتائل النائمة» في أكثر من ملفّ وإمكان خروجِها عن ضوابط «الحروب الناعمة» الدائرة على تخوم أزمة التأليف التي تعكس صراعاً داخلياً بامتداداتٍ إقليمية حول الموازين واستطراداً حول التوازنات في الحُكم والنظام.
ومن خلف دخان «هزّة الجاهلية» التي وقعت السبت مع محاولة القوى الأمنية إحضار الوزير السابق وئام وهاب لسماع إفادته في الإخبار المقدّم ضدّه بجرم إثارة الفتن على خلفية تعرُّضه بإساءات غير مسبوقة للرئيس المكلف سعد الحريري ووالده الشهيد رفيق الحريري والتي تخللها مقتل أحد مسؤولي أمن وهاب بطريقة ملتبسة خلال إطلاق مسلّحيه النار، برز أمس سؤالٌ حول إذا كان المناخ البالغ التوتر الذي أطلّ من الجبل سيدفع باتجاه «سكب مياه باردة» على الأزمة الحكومية ويسرّع في فكّ آخر عقدها، أم أنّه سيضيف تعقيدات جديدة تُبعد الانفراج أكثر مع ما يعنيه ذلك من ترْك البلاد «فريسة» مَخاطر داهمة على أكثر من صعيد.
وانقسمت قراءة «أحداث الجاهلية» بين منطقيْن: الاول لفريق 8 آذار بقيادة «حزب الله» الذي اعتبرها محاولة من الحريري لـ «إثبات الحضور» بوجه استحكام عقدة تمثيل النواب السنّة الموالين للحزب في الحكومة ومن جنبلاط لـ «إنهاء» ما وصفه بأنه «حالة شاذة» يشكّلها وهاب. والثاني لفريق الرئيس المكلف الذي لم يعزل هذه القضية عن «مسرحها السياسي» الذي تَعَبَّر عنه بوضوح من خلال الحملة المبرْمجة من وهاب وقريبين من «حزب الله» على الحريري الأب والابن في سياق رغبة في «اقتلاع الحريرية» امتداداً لعقدة سنّة 8 آذار، فيما ذَهَبَ جنبلاط الى ربْطها برسائل من خارج الحدود وتحديداً من النظام السوري انطلاقاً من «غزوة» المواكب السيارة لمناصري وهاب (ليل الخميس) الذين جالوا في معاقل عدة للحزب التقدمي الاشتراكي في الشوف وبينها المختارة (مقر الزعامة الجنبلاطية)، وهو ما أظهره النائب أكرم شهيب بسؤاله «هل عادت تهديدات سفاح دمشق بتدمير الجبل»؟
وفيما كان «حزب الله» يحاول ان يوازن بين رفْضه الشديد اللهجة لـ «تجاوُز القانون» في عملية الجاهلية التي كان يُراد منها «اعتقال (وهاب) لإذلاله» وبين اعتراضه على هجوم وهاب على الحريري الابن والأب مقدّماً نفسه على أنه بـ «حمايته» حليفه وتدخله في «اللحظة الأخيرة» جنّب البلاد «حمام دم»، فإن الأنظار شخصت أمس في اتجاهيْن:
الاول دارة وهاب في الجاهلية حيث حملت زيارات التعزية رسائل عدة، من زيارة وفد «حزب الله»، الى التعزية التي قدمّها وفد من «التيار الوطني الحر» باسم رئيسه الوزير جبران باسيل (بدأ أمس زيارة لبغداد) وهو زار أيضاً النائب تيمور وليد جنبلاط والنائب طلال ارسلان والأمين العام لـ «تيار المستقبل» أحمد الحريري في سياقٍ تهْدوي، وسط رهان على دور ما قد يضطلع به الرئيس ميشال عون لضمان إيجاد مَخرج يحفظ هيبة القضاء والأجهزة الأمنية ويحول دون انزلاق هذا الملف الى مزيد من التصعيد.
والاتجاه الثاني قضائي، حيث نفّذ وهاب ما يشبه «الهجوم الدفاعي» حيث تقدّم عبر محاميه بطلب تنحية النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود وإحالة الأخير على التفتيش القضائي ونقْل الدعوى إلى محكمة المطبوعات، مكرراً ان «الأدلة التي لدينا بشأن مقتل محمد أبو ذياب تؤكد أحقيتنا في الموضوع وأنّه تمّ قتله من القوى الأمنية ونحن لا نستبق التحقيقات».
في المقابل لم يتّضح «ردّ» القضاء والأجهزة الأمنية وسط رصْدٍ لما إذا كان سيصار الى إضافة ما رافَقَ وصول قوة من شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي الى الجاهلية عصر السبت من إطلاق نارٍ من مسلّحي وهاب وما اعتُبر «عصياناً للقوى الأمنية» (تؤكد أنها لم تطلق النار وان مرافق وهاب لم يسقط برصاصها) الى ملفّ وهاب القضائي، الى جانب ترقُّب اذا كان القضاء سيعمد الى إصدار مذكرة توقيف غيابية بحقه، مع ما سيعنيه ذلك من جعْله فاراً من وجه العدالة.