على وقْع عمليات الحفْر التي تواصِلُها اسرائيل في إطار عملية “درع الشمال” التي “تطارد” عبْرها أنفاق حزب الله العابرة للحدود، يَمْضي لبنان الى “حفْرته” السياسية التي تتعمّقُ مع انتقالِ أزمةِ تأليفِ الحكومةِ الجديدة من قعْرٍ الى آخَر، الأمر الذي يُنْذِرُ بدخول البلاد مرحلةً بالغة الحساسية محلياً وخارجياً بلا “دروع حماية” تقيها سيناريوات قاتمة تتربّص بها.
وشكّل تأكيد قوة اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان وجود النفق الذي أعلنتْ تل ابيب عن اكتشافه قرب مستوطنة المطلة الحدودية مع لبنان بدايةَ مسارٍ من “المتاعب” الديبلوماسية وربما أكثر لبيروت التي تسعى اسرائيل لتحميلها المسؤولية عما تعتبره تجاوُز حزب الله القرار 1701 والتي قد تجد نفسها “في عيْن” عاصفةٍ من الضغوط الدولية ولا سيما الأميركية المتصلة بالمواجهة مع إيران وأذرعها وعلى رأسها حزب الله.
ورغم محاولة لبنان استباق “موجة الضغوط” الدولية عبر الإيعاز لبعثته بتقديم شكوى ضد إسرائيل على خلفية “ما تقوم به من حملة ديبلوماسية وسياسية ضد لبنان تمهيداً لشن اعتداءات عليه، ناهيك عن خرقها شبكة الهاتف اللبنانية (…)، إضافة الى خروقها بحراً وجواً وبراً”، إلا أنّ ذلك لن يقلّل من وطأة خروج الاتهامات الاسرائيلية لحزب الله بحفْر الأنفاق الهجومية عن نطاق المَزاعم بعدما خلصت مهمة تَقصي الحقائق التي قامت بها اليونيفيل عبر قائدها العام الجنرال ستيفانو ديل كول يرافقه فريق تقني الى “تأكيد وجود النفق (…)”، وسط تأكيد القوة الدولية أن “من المهم جداً تحديد الصورة الكاملة لهذا الحدَث الخطير”.
وما يجعل “الحرب الديبلوماسية” التي تشنّها تل أبيب على لبنان – بمحاولتها استنهاض موقف دولي “يصوّب” على حكومته – محفوفةً بالمخاطر العالية أن بيروت تواجهها بمزيد من تفلُّت الواقع السياسي من ضوابطه ومن انفتاحِ الأزمة الحكومية على فصولٍ أشدّ قسوة من “عضِّ الأصابع” تختلط فيها “القطب المخفية” في إطار الصراع على التوازنات في الحكم ببُعديْه الداخلي والإقليمي.
ولم يكن أدلّ على أنّ لبنان يقف على مشارف مجازفاتٍ أقرب لـ”القفزِ إلى المجهول” من ملامح “انفجار” المأزق الحكومي بالعلاقة بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري بعدما كان حزب الله رمى في وجههما قبل نحو شهر “لغم” توزير النواب السنّة الموالين له بما علّق ولادة الحكومة في “الدقائق الخمس الأخيرة”.
وقد تفاجأت الأوساط السياسية بأن عون رمى كرة الأزمة الحكومية وحلّها في مرمى الحريري لرفْض الأخير صيغة الـ 32 وزيراً وصولاً لتلويحه بتوجيه رسالة الى البرلمان حول مآل المأزق الحكومي، وسط تلميحاتٍ الى إمكان سحب التكليف من الحريري والذهاب الى مرشّح آخر.
وفيما فسّرتْ الأوساطُ نفسها إعلان عون ما يشبه “نفاذ صبره” وتخييره الحريري بين “الفرصة الأخيرة” أو بدء مسار جديد بالعودة الى البرلمان على أنه بمثابة “هروب” الى الأمام من قبل فريقه بعدما سلّم لـحزب الله بشرْط تمثيل سنّة 8 آذار أو لا حكومة، تستبعد أن تكون اندفاعة عون في إطار قرار كبير مُتَّخَذ بسحب التفويض النيابي للرئيس المكلف أقله في الوقت الراهن، علماً أن مثل هذا الأمر غير ممكن دستورياً وسيكون حصوله ولو بـ“إعلان النيات” مكلفاً سياسياً.