أظْهَرَتْ التطوراتُ المُباغِتة التي شهدتْها الساعاتُ الأخيرةُ في ملف تأليف الحكومة الجديدة في لبنان تَشابُكَ “الخيوطِ الخفيةِ” التي تتحّكم بمسار هذه الأزمة في ظلّ تضارُب أهداف اللاعبين المحليين الرئيسيين وخوضهم “معركةَ التشكيل” تحت عناوين متعارِضة تضْمر محاولاتٍ للإمساك بـ”مفاتيح” هجومية أو دفاعية ترتّب تداعيات على مستوى التوازنات في النظام وامتداداتها الإقليمية.
وبدت بيروت السبت تحت تأثير “الوعكة” المتجددة التي أصابتْ العلاقة بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري بعد تلويح الأول بتوجيه رسالة الى البرلمان تعيد هذا الملف، تأليفاً وتكليفاً، الى مجلس النواب لاتخاذ القرار، وهو ما أحيا “صراع الصلاحيات” الذي عبّر عنه الحريري برفْضه أي مساسٍ بصلاحيات الرئيس المكلف مدعوماً من رؤساء الوزراء السابقين.
وفيما شخصتْ الأنظار، بعد وضْع عون على الطاولة ورقةَ “الرسالة” في سياق الضغط على الحريري للسير بصيغة حكومةٍ من 32 وزيراً (عوض حكومة الـ30 التي عُمل عليها منذ 24 أيار الماضي)، على توقيتِ توجيهها وإذا كان رئيس الجمهورية سيمضي في هذه الخطوة مع كل محاذيرها، فإن الأسئلة تدافعتْ حول تأثير مناخ التوتر المستجدّ بين عون والحريري على مجمل التسوية السياسية التي حملتْهما معاً الى السلطة كما حول آفاق هذه الأزمة بعد ملامح عودتها الى المربّع الأول.
وثمة مَن يهْمس في بيروت بأن حزب الله الذي وَضَعَ الجميع أمام معادلة: إما حكومةٍ بشروطه أو لا حكومة، غير مهتمٍّ بمآل الأزمة، وهو لم يعد يكترث لبقاء الحريري رئيساً للحكومة أو عدمه رغم أن معركته الأهمّ، وربما الإستراتيجية، تتمثّل في الحؤول دون إمساك فريق رئيس الجمهورية بالثلث المعطّل في الحكومة.
وفي تقدير أوساط بارزة في “8 آذار” أن عون كان أكثر ميْلاً لحلّ عقدة تشكيل الحكومة عبر توزير ممثّل عن النواب السنّة الموالين لحزب الله من حصته “إلا ان باسيل ما زال يعاند بانتقاله من شجرة إلى شجرة في محاولةٍ للاحتفاظ بالثلث المعطل لاعتبارات تتصل بالمعركة الرئاسية”.
ورأت هذه الأوساط عبر “الراي” أن حزب الله الذي لا يضيره تحويل المعركة في اتجاه الحريري وحشْره وإضعافه، لن تخدعه التعميةُ على “القفل والمفتاح” في مشكلة الحكومة المتمثّلة في إصرار فريق عون على الاحتفاظ بالثلث المعطل، وهو الأمر الذي يرفضه الحزب قبل سواه.
وتتحدث الأوساط عيْنها عن أنه في حال المضيّ بالسيناريوات التي يراد منها إحراج الحريري لإخراجه، فإن الأمر سيكون فرصة ثمينة لحزب الله لتحقيق هدفٍ مزدوج هو الإتيان بشخصية من “8 آذار” لرئاسة الحكومة ورسْم خط أحمر أمام إمكان تَجاوُز حصة فريق رئيس الجمهورية في أي حكومة ثلاثينية الـ10 وزراء.
وبحسب هذه الأوساط، يعود هذا التشدد الذي يبديه حزب الله إلى أزمةِ ثقةٍ متراكمة مع رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل، بدءاً من الانتخابات النيابية وصولاً الى محاولة الأخير “أخذ مسافة” مع الحزب مراعاةً لاعتبارات خارجية (غربية وعربية) يحرص عليها باسيل لأسباب تتصل بطموحه الرئاسي.
وفي اعتقاد تلك الأوساط أن أقصر الطرق للخروج من المأزق يكمن في تنازلٍ مثلث الضلع… يتنازل الحريري عن رفْضه توزير ممثّل عن النواب السنّة، يتنازل حزب الله عن اشتراط توزير أحدهم والقبول بشخصية تنوب عنهم، يتنازل الرئيس عون عن المقعد السنّي من حصته.
وفي تقويمٍ للصيغ التي رمى بها باسيل في إطار حركته، بدا وكأنه يعمل على إرضاء حزب الله بتوزير ممثّل عن السنّة الموالين له، وعلى الاحتفاظ بالثلث المعطّل لفريقه، وتالياً إطلاق أكثر من بالون اختبار يراد منها جميعها حلّ العقدة، على حساب الحريري ومكانته السياسية وفي الحكومة.
وفي قراءةٍ للهنْدسة القائمة على توسيع الحكومة من 30 وزيراً إلى 32 وما ينطوي عليها إضافةُ وزير علوي وآخر سرياني، فإنها لا تعدو كونها محاولة في الاتجاه عيْنه… الاستجابة للمطلب العلني لحزب الله واحتفاظ فريق عون بالثلث المعطل كمخرج يدفع ثمنه الحريري.
ورغم ان حزب الله لم يقل كلمته في تشكيلة الـ32، فإن الانطباع السائد أنه لن يمشي ومهما كلف الأمر، بأي صيغة ملغومة بالثلث المعطل، وتالياً فإن سقوطها بضربةٍ حاسمة من الحريري وفّر على الحزب مَتاعب الالتفاف عليها.
وفي موازاة هذه الخلفيات التي تحوط بالأزمة المستجدة بين عون والحريري، فإن مصادر مطلعة ترى ان الرئيس المكلف يقف في مقاربة مجمل مسار التأليف ساعياً الى الدفاع عن اتفاق الطائف وتوازناته انطلاقاً من الحرص على صلاحياته كرئيس مكلف والى تشكيلةٍ لا تثير “نقزة” المجتمع الدولي.
ووفق هذه المصادر فإن مسألة توزير علوي وإن كان من حصة الرئيس المكلف فإن مثل هذه الخطوة غير المسبوقة في لبنان لها محاذير بالغة الحساسية لكون ادخال هذا العُرف سيعني ما يشبه حجْز مقعد مستقبلي للنظام السوري كما انه يخلّ بالتوازن السني – الشيعي داخل الحكومة (6 وزراء سنّة مقابل 6 شيعة زائد علوي) وهو ما لن يغطّيه الحريري.