شهد قصر بعبدا حركة غير اعتيادية، الاثنين، حيث استقبل رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون على حدة كلا من رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، في علاقة بأزمة التشكيل الحكومي.
يأتي ذلك وسط تحذيرات زعامات وشخصيات سنية آخرهم مفتي لبنان الشيخ عبداللطيف دريان، من مغبة المس بصلاحيات رئيس الحكومة. وقال الحريري عقب اجتماعه بالرئيس عون “لقد تشاورنا بعدة طروحات في الموضوع الحكومي، وهناك حلول يمكن السير بها”.
وأضاف الحريري “سمعنا كلاما عن إمكان توجيه رسالة إلى مجلس النواب ولكن لا يجب أن ننطلق من سوء النية وأنا أعرف نية الرئيس عون”. وشدد على أن “الدستور واضح وموضوع سحب التكليف هو مجرد ‘زكزكات’ لبنانية وسأكمل المشاورات بعد عودتي من السفر”.
ورفض رئيس الوزراء المكلف الخوض في تفاصيل الحلول التي يمكن أن يقبل السير فيها لحل المعضلة الحكومية، مجددا التأكيد على أن “هناك من يريد تشكيل الحكومة وهناك من لا يريد ذلك، وبعد العودة إلى لبنان سنستكمل المشاورات للوصول إلى حل”. واستبق بري وصول الحريري حيث اجتمع بالرئيس عون، ليغادر بعدها دون أن يدلي بأي تصريح.
وقالت مصادر مطلعة إن امتناع بري عن الإدلاء بأي تصريح يشكل موقفا هدفه عدم الانجرار إلى الأجواء التي بثها عون خلال الأيام الأخيرة بتلويحه بإمكانية توجيه كتاب إلى مجلس النواب، يفهم منه استدعاء للسلطة التشريعية للبت في أمر تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة.
وتعتبر أوساط تيار المستقبل أن الأمر لا يقلق الحريري وأن ليست هناك أي أداة دستورية بما في ذلك مجلس النواب بإمكانه سحب تكليف الحريري، وفق تصريحات القيادي في التيار، مصطفى علوش، فيما رجحت المصادر أن يتعامل بري مع أي رسالة تصل من بعبدا حول الأمر بصورة شكلية لاعتباره أن الأمر مخالف للدستور.
وتلفت أوساط برلمانية إلى أن عون يسعى إلى حشر الحريري في وقت بات فيه واضحا أن المسألة الحقيقية تتعلق بصراع مضمر يجري بين بعبدا وحزب الله. ويقول المراقبون إن منافسة حامية تجري بين الحزب وفريق عون السياسي للحصول على الثلث المعطل في الحكومة وإن الفريقين يسعيان لحجب هذا الصراع وإلصاقه بالرئيس المكلف.
الأزمة الحكومية أخذت بعدا جديدا من خلال الموقف الذي صدر عن القمة الخليجية الأخيرة، فقد انتقد مجلس التعاون “دور إيران وتنظيم حزب الله الإرهابي في زعزعة استقرار لبنان”
ورأت مصادر دبلوماسية عربية في بيروت أن الأزمة الحكومية أخذت بعدا جديدا من خلال الموقف الذي صدر عن القمة الخليجية الأخيرة. فقد انتقد مجلس التعاون “دور إيران وتنظيم حزب الله الإرهابي في زعزعة استقرار لبنان وإضعاف مؤسساته السياسية والأمنية، وتفتيت الوحدة الوطنية وتأجيج الصراعات المذهبية والطائفية فيه”.
ولفتت المصادر إلى الدعم الذي تلقاه الحريري من المجموعة الخليجية التي آملت أن “يتمكن الحريري من تشكيل حكومة وفاق وطني تلبي تطلعات الشعب اللبناني الشقيق”. ودعت المصادر إلى الانتباه للموقف السعودي الذي عبر عنه وزير الخارجية عادل الجبير حين قال إن “السعودية تدعم الحريري لتشكيل الحكومة، لكنها ترفض تدخلات إيران في السياسة اللبنانية، ودور حزب الله الثقيل في سياسة لبنان”. ورأت المصادر أن هذا الموقف يمثل إشارة إلى الحريري أيضا تقوي من موقفه وتجعله أكثر تمسكا بقيام حكومة متوازنة لا ترضخ لأجندات حزب الله.
ويشهد لبنان منذ سبعة أشهر أزمة حكومة، نجح رئيس الوزراء المكلف في تفكيك معظم عقدها، إلا أنه يصطدم اليوم بحاجز معقد وهو إصرار حزب الله على تمثيل أحد النواب السنة الموالين له.
ويحاول الرئيس عون وتياره الوطني الحر التملص من تحمل المسؤولية حيال هذه العقدة، بتقديم اقتراحات ليست محل توافق مثل توسيع دائرة الحكومة لتشمل 32 وزيرا، أو الذهاب إلى المدى الأقصى بتهديد الحريري بالتوجه لمجلس النواب وسحب التكليف منه.
واعتبر علوش أن “الإجتهادات المطروحة حتى الآن قاصرة عن الوصول إلى حلول وإنتاج الحكومة، فلا يمكن إغراء سعد الحريري بعدد الوزراء لتمرير الشذوذ على القواعد الدستورية في تأليف الحكومات”.
وأضاف علوش “بالرغم من الضوضاء وحملات التهويل والتهديد خارج إطار الدستور، وبالرغم من محاولات حرف الانتباه عن الأساس، فإن الحريري لن يستقيل”.
ويرفض عون أي مقاربة تنتقص من حصته وحصة حزبه المؤلفة من 11 وزيرا، والتي تجعله الطرف المتحكم في الحكومة باعتبار أنه يحوز على «الثلث المعطل».