هل يؤشّر أخْذُ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون المبادرة في يده، لمحاولة تجنيب البلاد «الكارثة» لو تَمادى أكثر المأزق الحكومي، إلى أنّ أزمة تأليف الحكومة باتت أمام «ساعة حقيقة» جديدة، فإما ينجح المسعى الرئاسي في استيلاد تشكيلة «التوازن في التنازلات» قبل الأعياد أو يمضي لبنان بالانزلاق في مسار «الدولة الفاشلة»؟
هذا السؤال طغى على المشهد السياسي في بيروت غداة ما بدا أنه استرداد عون التفويض الذي كان منحه الى الوزير جبران باسيل لإيجاد مَخْرج لعقدة إصرار «حزب الله» على توزير أحد النواب السنّة الستة الموالين له، في مهمةٍ انتهت الى ارتسام «خط أحمر» مضمر من الحزب على رفْض التسليم بمنْح فريق رئيس الجمهورية الثلث المعطّل في الحكومة وهو ما لاقاه رئيس البرلمان نبيه بري بتظهير أن «أرنب الحل» قديم – جديد وعنوانه تمثيل سنّة 8 مارس من حصة عون، في موازاة تثبيت الرئيس المكلف سعد الحريري الـ«لا» الكبيرة لأي أعراف جديدة مثل توسيع الحكومة الى 32 وزيراً (لتمثيل العلويين والسريان) ولأي توزير لـ«مجموعة الستة» مباشرة أو تمثيلهم من حصّته.
وتشير أوساطٌ سياسيةٌ في بيروت الى أن المبادرة التي أطلقها عون وبدأها بلقائه كلا من بري والحريري أول من أمس واستكملها أمس باستقباله وفداً من «حزب الله» تبدو هذه المَرة أشبه بـ«الفرصة الأخيرة» التي اذا جرى تفويتها فإن أثمانها ستكون قاسية على صورة «الرئيس القوي» كما على مجمل عهده بعدما رمى بثقله في الساعات الماضية ساعياً إلى كسْر المأزق فتكون الحكومة «عيدية» الانتقال الى 2019.
ورغم التكتم الشديد والسرية التي أحيطت بها «الأفكار» الرئاسية، إلا ان الأوساط نفسها ترى أنه بعد «عملية الإنهاك» المستمرة منذ 202 يوم لم يعد متاحاً لإحداث كوة في جدار الأزمة الحكومية سوى رعاية رئيس الجمهورية لحلّ عبر «التضحية» بوزير سني من حصّته، وهو ما لن يكون ممكناً تصويره على أنه انتزاع تنازُل من رئيس الجمهورية بعدما اختار الأخير تلقُّف «كرة النار» لإنقاذ البلاد من المخاطر الكبرى على أكثر من صعيد.
وجاء كلام عون أمس عن ان عدم نجاح مبادرته «التي يجب ان تنجح وإلا حلّت الكارثة وهذا سبب تَدَخُّلي وإن شاء الله تنجح المبادرة وعندنا رأي للتوفيق بين كل الأطراف»، ليعطي إشارة اعتُبرت بمثابة إعداد «المسرح السياسي» للتسوية التي وُضعت على نار حامية.
واعتبرت الأوساط عيْنها ان لقاء عون أمس مع رئيس كتلة نواب «حزب الله» محمد رعد كان مفصلياً ليسمع رئيس الجمهورية من الحزب، صاحب الإمرة في عقدة السنّة الموالين له، ما اذا كانت هذه العقدة الأخيرة في مسار استيلاد الحكومة ليبني على الشيء مقتضاه، وسط رصْدٍ دقيق لما إذا كانت «مجموعة الستة» ستبقى مصرّة على تمثيلها مباشرة بأحد أعضائها ومن خارج حصة الرئيس عون باعتبار أن مثل هذا الأمر سيكرّس ان ثمة قراراً كبيراً بعدم الإفراج عن الحكومة لربْط مآلها بالواقع الاقليمي ومقايضاته.
وفيما دعتْ الأوساط إلى رصد المداولات التي ستجري في لندن بين الحريري وباسيل على هامش منتدى الأعمال والاستثمار اللبناني – البريطاني الذي يُفتتح اليوم على أن يعود الرئيس المكلف الى بيروت في «الويك أند»، تساءلتْ إذا كانت الحكومة الثانية للحريري في عهد عون يمكن أن تولد في نفس تاريخ تشكيل الحكومة الأولى في 18 ديسمبر 2016، ومحاذرة الإفراط في التفاؤل قبل التثبت من استعداد باسيل للتخلي عن الثلث المعطّل ومن أن الجميع اقتنعوا بأن لعبة عضّ الأصابع باتت موجعة وتدفع البلد الى عمق الهاوية.