كشف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع انّه لا يعارض الحكومة المصغّرة من 18 وزيراً، التي يتمّ التداول بها، بل يحبّذها ايضاً، خصوصا، انّ الحقائب الاساسية هي 18 حقيبة ويمكن ضمّ الحقائب الست الأخرى إليها، وهذا عددٌ كافٍ، في رأيه. الاّ انّه في الوقت نفسه، يكشف أنّ هذا العرض الذي يتداوله الأفرقاء غير جدّي ولم يطرحه الرئيس ميشال عون مع من التقاهم في بعبدا، بمن فيهم النواب السنّة الستّة، الذين لا يعترف جعجع أساساً بأحقيتهم بالتمثيل الوزاري، بسبب توزّع العدد الأكبر منهم على كتل أخرى شاركوا معها في استشارات التكليف والتأليف، لافتاً الى انّ الرئيس عون اكتفى بإعطائهم نصائح وتوجيهات وطنية.
الكتلة المُستحدثة ليست سبب العقدة الحكومية في نظر جعجع، بل هي مجرّد غطاء لعقدة أعمق وأكبر، كما لا يعتبر انّ القصة هي حكاية مقعد وزاري في الاساس بل شيء آخر، لافتاً الى أنّها لو كانت كذلك، ولو أراد حزب الله حلّها، لكان وزّر السُنّي المعترض من حصّته، مثلما فعل في عهد ميقاتي. اما بالنسبة الى إصرار حزب الله على توزير أحد من هؤلاء الـ 6 فهو إصرار من قبل الحزب لاستهداف الرئيس المكلف سعد الحريري، لأنّه يسعى حالياً الى اختراق الساحة السنّية بكل قوته ومن بعيد.
ويذكّر جعجع بالأرقام التي حصدها الحريري سنّياً ومنفرداً، لافتاً الى أنّها تتجاوز الـ 55 % من أصوات السنّة، وإذا ما أضيفت اليها النسبة المرتفعة للأصوات التفضيلية التي حاز عليها الرئيس نجيب ميقاتي، إضافة الى الاصوات السنّية المؤيّدة للوزير السابق محمد الصفدي، فإنّ الأكثرية تكون قد تمثلّت بالشكل المطلوب. موضحاً انّ مقياتي والصفدي هما اليوم داعمان للحريري، وبذلك يحصد الأخير ما يفوق الـ 75% من الاصوات السنّية المؤيّدة له.
كذلك ذكّر جعجع بتأييد اللواء أشرف ريفي أيضاً للحريري في الأزمة الحكومية، الأمر الذي يجعل الحريري متصدّراً الزعامة السنيّة بعد إجماع أقطابها وحتى مرجعياتها الروحية عليه.
أولوية “الحزب”؟
“لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، هذه هي اولوية حزب الله، في رأي جعجع، في المرحلة الحالية، اذ انّها همّه الوحيد من دون استبعاد إضعاف الحالة السنّية من باله. ويرى جعجع أنّ حزب الله يخطّط ويفكّر كيف يمكن له اختراق الساحة السنّية، خصوصاً في هذه المرحلة، ولكنه متيقظ للدعم الكبير الذي يحظى به الحريري داخلياً وخارجياً. ويلفت الى أنّ “الحزب” يُدرك انّه لا يستطيع التخلي عن الحريري ولو انّ ذلك مُنى عينه، الا انّه عملياً يعلم انّ حكومة لا يترأسها الحريري ستدفع لبنان نحو المجهول وتصيب اقتصاده بالضربة القاضية. مضيفاً: “الحزب مرغمٌ على القبول بالحريري هو وغيره، ولا قدرة لهم على استبداله”، “ما حدا بيسترجي”، لأنّ أي حكومة أخرى ستُعتبر خارجياً حكومة حزب الله وستسقط فوراً.
كذلك لفت جعجع الى انّ نجاح مؤتمر “سيدر” ليس مرتبطاً فقط برئاسة الحريري للحكومة، بل مرتبط أيضاً بالثقة الدولية بشخصه ودوره وعلاقاته.
عن غزل “الحزب”
يبتسم الحكيم عندما نسأله عن الغزل المتبادل بينه وبين حزب الله، ويقول: “نحن لا نغازل الحزب، وهم يعلمون ذلك جيداً، وحدود التعاطي بيننا هو المؤسسات، وتحديداً الحكومة ومجلس النواب، والتهدئة السياسية القائمة مُتبادلة وبين جميع الأطراف الأساسية، تحت سقف التسوية القائمة، ومن دون أن يبدّل أي طرف في نظرته ومقارباته الوطنية والاستراتيجية واتخاذ المواقف اللازمة عند أي مسّ بالثوابت من قبيل عدم الالتزام بسياسة “النأي بالنفس” أو القرارات الدولية. وخطاب الامين العام لحزب الله حسن نصرالله متقارب اليوم أكثر من أي وقت مضى مع خطاب “القوات”، في مقاربة ملفات الفساد تحديداً وفي الدعوة الى محاربته، وهو الأمر الوحيد ربما الذي يجمعنا تحت سقف العمل الحكومي في المستقبل، لأنّ الهوة في الملفات الأخرى كبيرة جداً.
وعن غزل باسيل!
وتوقّع جعجع ان تصعب مهمة من يريد إمرار بعض الملفات أكثر من الماضي في حال انضمام حزب الله فعلياً إلى معركة مكافحة الفساد، بالاضافة الى الوعي الشعبي الكبير الذي يتحيّن الوقت المناسب ليقول كلمته. وذكّر انّ مواجهته الشديدة لملف البواخر ليست مواجهة مع وزراء التيار الوطني الحر الذين تقاطع معهم في ملفات عدة، كقانون الانتخاب وغيره.
ولفت الى أنّ وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال سيزار أبي خليل تمكّن من إقرار مراسيم النفط في الحكومة ولم تعترض عليها “القوات” التي تقيِّم كل ملف بملفه، بمعزل عن انتماء الوزير السياسي. ويقول: “ما بقا فيهم يمرقوا شي.. خلصنا من هالنغمة، فالعيون مفتّحة منيح”.
وماذا عن الحرب المقبلة؟
لا يتوقع جعجع حرباً اسرائيلية على لبنان في المرحلة الحالية، على رغم الضجة الإعلامية لأسباب عدة لم يشأ ذكرها، إنما اشار الى “الصحوة الضرورية” للدولة اللبنانية لما يجري حولها، “اذ عليها ان تتابع بدقة تفاصيل ما يجري داخل اراضيها والتمسّك بتطبيق القرار 1701 ومنع اي خرق من الجهة اللبنانية، ومواجهة كل الخروقات الإسرائيلية دولياً، والإمساك بمفاصل القرار سياسياً وعسكرياً، منعاً لتوريط لبنان عبر إعطاء اسرائيل اي ذريعة لشن حروبها على لبنان”.
وينبّه جعجع الدولة الى ضرورة التحرّك ومتابعة التفاصيل، والتذكير انّ القرار العسكري والاستراتيجي في يدها وحدها. ويدعو حكومة تصريف الاعمال الى “الاجتماع فوراً والتحضير لاتخاذ الخطوات الضرورية والتدابير الاستباقية لتفادي تداعيات اي مباغتة للوضع الاقتصادي المقلق”.
جعجع ـ فرنجية
لا يعتب جعجع على رئيس تيّار المردة سليمان فرنجية، الذي رشّح نفسه هو او وجبران باسيل للرئاسة المقبلة، مبرّراً انّ الرجل لا يضع قناعاً ويقول ما يشعر به ويقول: “اعتقد انّ فرنجية قصد من كلامه عن مرشح الرئاسة في الظرف السياسي الحالي، ولا اعتقد انّه يتكلم عن المستقبل البعيد. إذ لا يدري اي كان كيف ستكون الاصطفافات السياسية حينها او حتى الرئاسة”.
وهل تعرّف جيداً الى فرنجية، وهل اكتشف في شخصيته أشياء اخرى يجهلها؟ يجيب جعجع: “حقيقة لم اجلس اكثر من ساعة مع سليمان فرنجية، وهي ليست كافية للاجابة عن هذا السؤال. انما بالنسبة لي كان مثلما توقعته، شخصية لا تضع قناعاً والعلاقة بين “القوات” و”المردة” سائرة الى الأمام . واصبحت طبيعية وستزداد ايجابية في المستقبل، وفي أي لحظة يمكن ان نصعد الى بنشعي أو أن يزورنا فرنجية في معراب.
“القوات” الى أين؟
وأين ترى “القوات” عام 2020؟ وهل بدأت تأخذ من رصيد التيار الوطني الحر وتحديداً من رصيد الوزير جبران باسيل في البترون ومن رصيد الوزير بطرس حرب، كما قرأنا في الصحف؟ يجيب جعجع: “القوات” حزب نضالي، مشروعه إقامة دولة فعلية في لبنان سيّدة على أرضها وممسكة بقرارها الاستراتيجي وخالية من الفساد والزبائنية السياسية، وتستظل الدستور والقوانين المرعية في ممارستها السياسية، وتعمل بالتراكم السياسي، والدليل حجم “القوات” بين لحظة خروجي من المعتقل واليوم. وبمقدار ما يكبر رهان الناس على دور “القوات” كما حصل في الانتخابات الأخيرة التي أظهرت التفافاً واسعاً حولها، بمقدار ما تتضاعف مسؤوليتها في إرساء الدولة التي تعكس تطلعات اللبنانيين وآمالهم، لأنّ من حق المواطن اللبناني ان يعيش حياة كريمة وآمنة كأي مواطن في العالم، وأن يرى مستقبله ومستقبل أولاده في هذا البلد وليس في التهيئة للهجرة منه. ولا يوجد في قاموس “القوات” كل ما يمت بصلة إلى مصطلحات الاحباط او ما شابه، لأنّها تؤمن بقضية سياسية، إستشهد الآلاف في سبيلها، ولن تيأس يوماً في الدفاع عن الجوهرة التي يجسّدها لبنان في أبعاده الروحية والوطنية”.
وعن العقدة الحكومية
يتحدث جعجع عن العقدة الحكومية، فيقول انّ الحريري لا يتدلّع، وهو حازم في قراره بعدم توزير السنّة المستقلّين من حصّته. ويدعو المدافعين عن حقوق هؤلاء النواب السنّة الى توزيرهم من ضمن حصصهم، اسوة بما فعلوه في الماضي. ويكشف، انّ الحريري ليس في وارد التنازل عن مقاعده لأيّ كان، وأنّ حكومة ألـ 18 او 24 المتداولة أو غيرها من الطروحات ليست جدّية، لأنّها تقلب الحكومة رأسا على عقب ولا توزّر السنّة المستقلين، اي المشكلة باقية. وعن رأيه في ما إذا كانت الحكومة ستُؤلّف قريباً والمفتاح في يد من؟ يقول جعجع: “لا يبدو انّ هناك حكومة قريبة، والرئيس عون والرئيس المكلّف يسعيان الى إنهاء الفراغ، والطريقة التي افتُعلت فيها العقدة الأخيرة قبل ساعات من ولادة الحكومة العتيدة، تؤكّد انّ مشكلة الحكومة هي أبعد من مقعد وزاري”.
الثقة بالحريري
“أثق بالحريري”، هكذا اجاب جعجع عن السؤال “المُفترض” عند التلميح الى التأثير الكبير للوزير جبران باسيل على قرارات الحريري في هذه المرحلة حسبما يُقال. وأضاف معلقاً: “لو كان الحريري يتأثر فعلاً بغير الذي يقتنع به لما كان أيّدنا حتى النهاية واصرّ على إعطاء “القوات” 4 وزراء في الحكومة، في وقت عارض “البعض” هذه الحصّة”. ويضيف جعجع: “قالها الحريري علناً، لن اسير بحكومة من دون القوات اللبنانية في وقت كان هذا الامر مُنى “هذا البعض”.
فسألنا جعجع: وهل ستسير انت في حكومة من دون قيادة سعد الحريري؟ أجاب: “لا، لن أسير بحكومة من دون الحريري، وأساساً لا حكومة من دون الحريري وسيكونوا مغلطين اذا عم يمننّوا النفس، وما بيسترجوا يتخلوا عن الحريري والبديل ثرثرة سياسية”…