ظهرت في بيروت بوادر جدية تشير إلى احتمال تشكيل حكومة لبنانية جديدة وذلك للمرّة الأولى منذ تكليف سعد الحريري بتشكيل مثل هذه الحكومة في ايار الماضي.
ويعتمد التفاؤل بإعلان ولادة الحكومة، قبل عيد الميلاد الثلاثاء المقبل، على تسوية معقّدة وضع أسسها اللواء عبّاس إبراهيم المدير العام لجهاز الأمن العام.
وتقوم التسوية التي استطاع اللواء إبراهيم تسويقها على ركيزتين أولاهما عدم تمثيل النواب السنّة الستّة المحسوبين على حزب الله عبر أي من هؤلاء وذلك إرضاء لسعد الحريري.
وسبق للحريري أن أعلن رفضه الكامل لدخول أيّ من “سنّة حزب الله” في الحكومة حتّى لو اضطر إلى الانتظار سنة أخرى.
أمّا الركيزة الثانية فتقوم على أن يكون الوزير السنّي المحسوب على حزب الله من حصّة رئيس الجمهورية في الحكومة وليس من حصة رئيس الوزراء.
وتعتبر أوساط سياسية لبنانية أن الاستجابة للشرطين اللذين وضعهما سعد الحريري لا تعني أنّه لم يقدّم أي تنازلات.
وأشارت في هذا المجال إلى أن رئيس الوزراء المكلّف قبل أن يكون هؤلاء النواب الستّة الذين شكلوا فجأة كتلة نيابية، لم تكن موجودة لدى إجراء المشاورات النيابية لتسمية رئيس الوزراء، ممثلين وإنْ بشكل غير مباشر في الحكومة.
وتضمنت التسوية أيضا أن يسمّي النواب الستّة خمسة أشخاص يختار رئيس الجمهورية أحدهم ليكون وزيرا. ولم يستبعد سياسي لبناني أن يكون نجل الوزير السنّي التابع لـ”حزب الله” حسين عبدالرحيم مراد، أحد النواب السنّة الستّة.
إضافة إلى ذلك، وافق رئيس الوزراء المكلّف على استقبال النواب الستّة بعدما كان رفض ذلك.
وسيعقد الاجتماع بين سعد الحريري “وسنّة حزب الله” في القصر الجمهوري أو السراي الحكومي (المقر الرسمي لرئيس مجلس الوزراء في لبنان) وذلك بعد رفض النوّاب الستّة الذهاب إلى منزل الحريري في بيروت والذي يسمّى “بيت الوسط”.
ورجّحت مصادر قريبة من سعد الحريري نجاحه في الإعلان عن حكومته يوم غد الجمعة أو السبت وذلك في حال لم يختلق “حزب الله” عقبات جديدة في وجه رئيس الوزراء المكلّف.
وكان حزب الله، الحريص على تحقيق اختراق في الطوائف الأخرى، على غرار ما فعله في الصفّ المسيحي ثمّ في الصفّ الدرزي، أصرّ على أن يكون لديه وزير سنّي وذلك كي يحوّل الخلاف السنّي – الشيعي الذي يعاني منه لبنان إلى خلاف سنّي – سنّي ويضع نفسه فوق الأحزاب والطوائف والمذاهب الأخرى في البلد وليشكل مرجعية لكل هذه الأحزاب والطوائف والمذاهب.
وكان سعد الحريري وجد نفسه مضطرا إلى القبول بالتسوية المعقّدة التي روّج لها عبّاس إبراهيم وذلك بعد تراجع ميشال عون عن موقفه من النواب السنّة الستّة التابعين لحزب الله.
ففي حين كان رئيس الجمهورية أكّد في لقاء مع مجموعة من الصحافيين في 31 أكتوبر الماضي أنّه لا يحق للنواب الستّة أن يتمثلوا بوزير في الحكومة نظرا إلى أنّهم لم يشكلوا كتلة بعد الانتخابات التي أجريت في السادس من مايو الماضي، عاد واستقبل هؤلاء بعدما طلب منه حزب الله ذلك. وباشر رئيس الجمهورية بعد ذلك التعاطي مع النواب الستّة بصفة كونهم يشكلون كتلة نيابية.
كذلك، تعرّض سعد الحريري لضغوط مارسها عليه حليفه الدرزي وليد جنبلاط الذي يخشى فتنة درزية – درزية يستطيع حزب الله إشعالها ساعة يشاء بفضل عناصر درزية مسلّحة تنتمي إلى حزب أسّسه الوزير السابق وئام وهّاب.
وعملت هذه العناصر الدرزية على التظاهر في بيروت وأطلقت هتافات معادية لجنبلاط كما سيرت موكبا كبيرا فيه ما يزيد على ستين مسلّحا في اتجاه قصر المختارة في جبال الشوف حيث الزعامة الجنبلاطية وحيث يستقبل الزعيم الدرزي محازبيه في يومي عطلة الأسبوع.
ولفتت الأوساط السياسية إلى الدور الذي لعبه المدير العام لجهاز الأمن العام في تسهيل تشكيل الحكومة بعد أزمة سياسية مستمرّة منذ ما يزيد على سبعة أشهر. ولاحظت أنّها المرّة الأولى التي يلعب فيها موظف كبير في الدولة مثل هذا الدور على الصعيد الوطني. ورجحت أن يكون ذلك مؤشرا على تحضيره لدور سياسي كبير سيلعبه عبّاس إبراهيم في المستقبل بعد خروجه من الوظيفة العامة.
وتوقفت في هذا المجال عند انتماء عبّاس إبراهيم إلى الطائفة الشيعية من جهة وكونه من جنوب لبنان، أي من المنطقة التي ينتمي إليها رئيس مجلس النوّاب نبيه بري الذي تقدّم به العمر، من جهة أخرى.