مع بدء العدّ التنازلي للقمة التنموية الاقتصادية العربية التي تنعقد في بيروت في 19 و20 الجاري، انزلق الوضعُ اللبناني وعلى نحو دراماتيكي الى مواجهة “بلا قفازات” يخوضها المكوّن الشيعي بوجه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تحت عنوان معلَن هو رفْض دعوة ليبيا وحضورها القمة ربْطاً بدور نظامها السابق في قضية تغييب الإمام موسى الصدر وعدم تعاون السلطات الحالية في كشف مصيره.
وتَشابكتْ مجموعة تطورات الجمعة مكرّسةً رسْم الطائفة الشيعية، بمرجعيّتيْها الدينية والسياسية، “خطاً أحمر” حول مشاركة ليبيا في القمة، بدءاً من الاجتماع الاستثنائي الطارئ الذي عقده المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بهيئتيه الشرعية والتنفيذية ووصل الى حدّ تأكيد “خيار الشارع” لفرْض منْع حضور الوفد الليبي عبر التحذير “من تَجاهُل ردات الفعل الشعبية التي يمكن أن تنتج عن الإصرار على دعوته”، وصولاً الى التراشق بالبيانات بين رئيس البرلمان نبيه بري ومنظّمي القمة التي يتم الإعداد لها بإشراف مباشر من رئيس الجمهورية على خلفية ملابسات توجيه الدعوة.
وقد طغى “لغم” دعوة ليبيا على العنوان الإشكالي الموازي الذي كان أثاره بري ودعا على أساسه الى إرجاء القمة (الى جانب عدم وجود حكومة لبنانية كاملة المواصفات) والمتمثّل في غياب سورية عنها بفعل التزام لبنان بعدم وجود قرار عربي رسمي يعيدها الى مقعدها في الجامعة العربية، وسط علامات استفهام كبرى حول تداعيات هذه “الهبّة” الساخنة على القمة في ذاتها ومستوى المشاركة فيها كما على الوضع اللبناني برمّته الذي بدا أنه يتّجه نحو نفق أشدّ قتامةً في ظل انسداد أفق مسار تأليف الحكومة بالكامل، والخشية من رغبةٍ باسترهان الواقع الحكومي لملفات إقليمية قد لا تنجلي قبل مجموعة استحقاقات بينها مصير سورية ضمن الحاضنة العربية وآفاق الصراع المتعاظم بين الولايات المتحدة وبين إيران وأذرعها في المنطقة وعلى رأسها حزب الله.
وفيما لاحظت أوساطٌ سياسية أن الاندفاعة على خطّ الإصرار على دعوة سورية من خارج الإجماع العربي والمطالبة بتأجيل القمة بما تنطوي عليه من تأكيد المظلة العربية للواقع اللبناني، تزامنتْ مع “التوتر” المتنامي على خط علاقة حزب الله بحليفه “التيار الوطني الحر” بفعل رفْض الحزب حصول فريق عون على “الثلث المعطّل” في الحكومة، لم تتوانَ عن اعتبار ما يشهده لبنان أشبه بـ 7 أيار سياسي في استعارةٍ من أحداث 7 أيار 2008 التي “انقضّ” فيها الحزب على خصومه في قوى 14 مارس بعملية عسكرية في بيروت وبعض الجبل انتهت الى كسْر قواعد اللعبة وانتزاع الثلث المعطّل عبر تفاهماتٍ “اضطرارية” كرّسها “اتفاق الدوحة”.
وترى هذه الأوساط ان هذه “الانتفاضة” من الثنائي الشيعي، بري وحزب الله، التي تستمدّ زخمها من رمزية قضية الإمام الصدر، تأتي هذه المرة بوجه الرئيس عون، الذي كان قبل 11 عاماً “في الخنْدق نفسه” مع الحزب وشريكاً له، معتبرةً أن مآل هذه المواجهة بات يرتّب أثماناً مكلفة باعتبار أنه صار محصوراً بين إما أن ينكسر رئيس الجمهورية، سواء بتطيير القمة او تسجيل حضور هزيل فيها أو إفشالها بتحرُّكٍ في الشارع، وإما أن تنهزم طائفة ضربت بيدها على الطاولة.
ولم يكن ممكناً بحسب الأوساط نفسها الفصْل بين المشهد اللبناني المستجدّ والذي انتقل فيها حزب الله، ولو عبر “القيادة من الخلف”، للقول “الأمر لي” في “بلاد الأرز”، وبين ملامح الاستراتيجية الأميركية للمرحلة المقبلة في المنطقة التي يعبّر عنها وزير الخارجية مايك بومبيو في جولته بالمنطقة وتحديداً لجهة التصدي لإيران “التي تعتقد انها تملك لبنان، لكنها مخطئة” ولـ حزب الله “الذي لا يزال له وجود كبير في لبنان لكننا لن نقبل بهذا الوضع الراهن”.
وكانت تقارير في بيروت أشارت إلى ان القادة العرب الذين أكدوا حضورهم هم: سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، وأمير قطر، ورؤساء تونس ومصر وفلسطين وموريتانيا والسودان، في حين أكّد الباقون حضورهم من دون ان يحددوا مستوى مشاركتهم، ولم تبلغ أي دولة عدم مشاركتها.