أكد رئيس الهيئات الاقتصادية اللبنانية محمد شقير أن أكثر من 2200 شركة ومؤسسة لبنانية أغلقت أبوبها خلال العام الماضي، في وقت أعلنت فيه وزارة المالية أن 3250 مؤسسة ومحلا تجاريا تقدمت بالتصريح حول توقفها عن العمل.
ويقول محللون إن الأزمة الاقتصادية الخانقة أجبرت أعدادا كبيرة من الشركات على وقف نشاطها بشكل كامل أو الاضطرار لتسريح آلاف الموظفين والعمال.
وفي غياب أيّة أرقام رسمية حول عدد الذين خسروا وظائفهم، أشارت تقديرات إلى أنهم أكثر من 4750 موظفا وعاملا.
وتعتبر البطالة أزمة غير مستجدة في لبنان، لكنها مستمرة في التفاقم في ظل الحالة الاقتصادية التي وصل إليها البلد الذي يعتبر إحدى أكثر الدول مديونية في العالم.
ويهدد المأزق السياسي الذي يمنع تشكيل حكومة بعد نحو 8 أشهر من الانتخابات البرلمانية بتقويض خطط الإصلاحات التي من شأنها أن تطلق 11 مليار دولار من المساعدات التي أقرها مؤتمر سيدر في أبريل الماضي بباريس لدعم الاقتصاد اللبناني في العام الماضي والذي تعهدت فيه الحكومة بتنفيذ إصلاحات في الاقتصاد والهيكل المالي والإداري للدولة.
وما زاد من الوضعية سوءا هو التحول في السياسة الخارجية لدول الخليج والولايات المتحدة مع بيروت بسبب تدخل إيران التي تدعم حزب الله اللبناني.
وتشير أرقام البنك الدولي إلى أن 23 ألف فرد يدخلون سوق العمل سنويا، وأن الاقتصاد يحتاج لاستيعابهم توفير أكثر من 6 أضعاف عدد الوظائف الموجودة أساسا، علما أن متوسط صافي فرص العمل التي كانت متاحة بين العامين 2004 و2007 قد بلغ 3400 وظيفة فقط.
ووسط غياب إحصاءات رسمية تشير تقديرات غير رسمية إلى أن معدل البطالة ارتفع إلى 51 بالمئة في شهر ديسمبر الماضي، إلا أن التقديرات التي أصدرها البنك الدولي تشير إلى أن معدل البطالة في لبنان بلغ في العام 2018 نسبة 25 بالمئة فيما تجاوزت هذه النسبة لدى الشباب 36 في المئة.
ونسبت وكالة أنباء شينخوا الصينية للشابة ريم عبدالله قولها “تخرجتُ منذ سنتين من كلية الإعلام، وحتى الآن لم أوفق بالحصول على عمل، ما دفعني إلى دراسة الحقوق لاستثمار الزمن الضائع من دون إنتاج”.
وأما سليم عاشور، الذي تخرج في كلية الهندسة بتقدير مرتفع فقد حصل على فرصة عمل في مكتب هندسي أقفل بعد فترة بسبب قلة الاستثمارات.
ويؤكد عاشور إنه يقوم اليوم بإعطاء دروس خصوصية لطلاب الشهادات الرسمية “لكي أحصل على مصروفي الشخصي”.
ولا تختلف مشكلة سعد عبداللطيف عن الباقين حيث قال “بعد حصولي على الشهادة الثانوية قبل 3 سنوات تقدمت لمسابقة أجراها مجلس الخدمة المدنية لوظيفة كاتب في إحدى الإدارات الرسمية، لكن النتائج لم تصدر حتى اليوم بسبب الخلافات السياسية”.
وفي غضون هذا الوقت درس سعد علوم الكمبيوتر لكنه لم ينجح في الحصول على عمل في القطاعين الخاص والعام.
وأعاد الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة أسباب البطالة إلى غياب الاستقرار الداخلي، وتتابع الأزمات السياسية والأمنية، التي تؤثر بدورها على النمو عموما وخاصة قطاع الخدمات الذي يعتبر ركيزة الاقتصاد اللبناني.
وقال عجاقة لوكالة شينخوا إن “غياب الاستثمارات هو السبب الأول والأساسي لاستفحال أزمة البطالة في لبنان، بالإضافة إلى المنافسة الشرسة التي تتعرض لها اليد العاملة المحلية من قبل اليد العاملة الأجنبية”.
وزارة المالية اللبنانية: 3250 مؤسسة اقتصادية وشركة توقفت عن العمل بنهاية العام الماضي
ولفت إلى أن رفع الحد الأدنى للأجور في البلاد دفع ببعض المؤسسات الاقتصادية إلى تقليص نفقاتها بصرف أعداد من العاملين لديها.
وأوضح أن الأزمة الاقتصادية العالمية أدت بدورها إلى صرف لبنانيين يعملون في مؤسسات في دول خليجية وأوروبية، وفي دول شمال أفريقيا.
وولدت أزمة البطالة عدة مشكلات اجتماعية أهمها الهجرة وتأخر سن الزواج وانزلاق العاطلين عن العمل نحو الانحراف والاكتئاب والمشاكل النفسية.
وعبر أحمد شحادة عن الخيبة واليأس وقال “فقدت الأمل بالمستقبل فقد بلغت 35 عاما من العمر ومازلت عاطلا عن العمل وأعجز عن التفكير في الزواج، وأمضي الوقت بتقديم طلبات الهجرة من سفارة إلى أخرى”.
كما قالت رولا سعادة “حصلت على فرصة عمل في الخارج لكنني اخترت البقاء مع عائلتي واضطررت بعد تعذر حصولي على فرصة عمل، للعمل بمردود لا يذكر من خلال إنشاء موقع على شبكة الإنترنت لبيع الإكسسوارات المصنوعة يدويا”.
وتعجز المؤسسة الوطنية للاستخدام التي أسستها الحكومة في العام 1977 عن القيام بدورها في إيجاد فرص العمل جديدة للشباب اللبناني.
وقال المدير العام للمؤسسة جان أبوفاضل لشينخوا إن “المؤسسة تعاني من نقص في موازنتها التشغيلية وتعمل حاليا مع البنك الدولي على مشروع لتدريب وتوظيف حوالي 12 ألف شخص على فترة 4 سنوات”.
ويأمل الشباب اللبناني أن تكون الوعود بتوفير 900 ألف فرصة عمل من خلال برنامج الحكومة لإعمار البنية التحتية، الذي حمله لبنان إلى مؤتمر سيدر، فرصة حقيقية لبناء مستقبلهم.
ولكن عجاقة يرى أن هذه الوعود مستحيلة وأن برنامج الحكومة لإعمار البنية التحتية الذي يستمر 10 سنوات لا يمكنه توفير حوالي 90 ألف وظيفة سنويا.
وأوضح أن منح وقروض مؤتمر سيدر تشكل فرصة مهمة أمام الاقتصاد اللبناني لأنها قادرة على توفير ما يقارب 20 ألف وظيفة سنويا.
ولفت إلى أن حصول لبنان على المنح والقروض يشترط تشكيل حكومة مكتملة دستوريا تتولى تنفيذ التعهدات اللبنانية في تحقيق إصلاحات في الاقتصاد والهيكل المالي والإداري للدولة ومكافحة الفساد.
ويدور لبنان في حلقة مفرغة في مسار تشكيل الحكومة الجديدة منذ أكثر من 7 أشهر جراء صراعات القوى السياسية على حجم التمثيل وتقاسم الحقائب الوزارية.
وانعكس ذلك التأخير في التشكيل شللا جزئيا على مؤسسات الدولة الدستورية، كما خلف آثارا سلبية على المستوى الاقتصادي بتفاقم الأزمات المعيشية في ظل اقتصاد منهك بعجز في موازنة العام الماضي تخطى حاجز 6 مليارات دولار وبدين عام يبلغ حوالي 81.9 مليار دولار.
وأكد حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة في لقاء مع تجمع رجال وسيدات الأعمال اللبنانيين في العالم الاثنين الماضي، القدرة على السيطرة على الدين العام وعلى تسديد الديون في تواريخها المحددة ودون أي اقتطاع منها.