بعد مخاضٍ دَخَلَ شهرَه التاسع وُلدت الحكومة اللبنانية الجديدة بـ“شقّ النفس” في أعقاب مساعٍ ماراثونية نجحتْ في طيّ هذا الملف الذي انطوى على لعبةٍ شرسة من “عضّ الأصابع” تمحورت حول التوازنات في السلطة على وهج التموْضعات الاقليمية والتحوّلات في المنطقة.
ومع صدور مراسيم ولادة حكومة الـ30 وزيراً ليل أمس وهي الثالثة برئاسة زعيم “تيار المستقبل” سعد الحريري والثانية في عهد الرئيس ميشال عون، لم يكن ممكناً فصْل هذا “الانفراج” عن صدور “ضوء أخضر” من إيران بفكّ أسْر الحكومة في لبنان ملاقاةً لاستحقاقاتٍ “مُقْلِقة” ارتأتْ طهران استباقها برسائل حُسن نية عبر “صندوق البريد” اللبناني وليس أقلّها مؤتمر وارسو، و”ردّ التحية” لأوروبا بعد التفاهم الذي تم التوصل اليه وأطلقت بموجبه ألمانيا وفرنسا وبريطانيا آلية مالية للتبادل التجاري مع إيران التفافاً على العقوبات الأميركية المفروضة عليها.
ولم تتأخّر “كلمة السرّ” الإقليمية في إعطاء مفعول “الدومينو” لفكفكة آخر التعقيدات التي كانت تعترض ولادة الحكومة منذ 24 أيار الماضي، والتي “انفجرت” في شكل دراماتيكي مع إطلالة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في تشرين الثاني الماضي في “خطاب الغضب” الذي أطاح بتشكيلةٍ حكومية كانت قاب قوسين من الصدور واضعاً “مفاتيح” التأليف في “جيْب” مجموعة النواب السنّة الستة الموالين له تحت عنوان توزيرهم أو لا حكومة، وهي العقدة التي عادتْ وتسببت بانهيار الفرصة الثانية التي أوشكت معها الحكومة على الولادة قبيل عيد الميلاد لـ“تُعلَّق” مجدداً على التموْضع السياسي للشخصية التي ستمثّل “اللقاء التشاوري” وذلك بما يحول دون نيل فريق عون الثلث المعطّل.
وساد ابتداءً من عصر أمس مناخٌ أوحى بأن مراسيم تشكيل الحكومة في طريقها الى الصدور مساءً، وذلك بعدما كان النهار شهد وضع الـ“روتشات” الأخيرة على بعض التفاصيل ذات الصلة بـ“الصفقة” المتعلقة بـ“الوزير الوديعة” في حصة رئيس الجمهورية والذي سيمثّل “اللقاء التشاوري”، بعدما أُقرّ مبدأ أن يشارك هذا الوزير (حسن عبدالرحيم مراد) في اجتماعات تكتّل “لبنان القوي” في استعادة لـ“سيناريو” وضعيّة حزب “الطاشناق” مع هذا التكتل، فيما بقيت مسألة ترجمة “التزامه السياسي” في التصويت محور مشاوراتٍ تناولتْ “وُجهة تصويته” واذا كان يحدّدها حصراً “اللقاء التشاوري” او تشتمل ايضاً على ضمانات بألا يصوّت هذا الوزير ضدّ توجّهات رئيس الجمهورية، وهو الأمر الذي تَرافَق مع إشاراتٍ الى محاولات لبلوغ “مضبطة سلوك” مكتوبة لتموْضعه وتصويته.
وفي موازاة ذلك، نشطت الاتصالات بالبحث عن حقيبة بديلة لرئيس مجلس النواب نبيه بري “تعوّضه” تَخَلّيه عن حقيبة البيئة لـ“التيار الحر” الذي أرادها من ضمن “مقايضة” تَراجُعه عن التمسك بالثلث المعطّل. وفي هذا الإطار، ومع قفل زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي الباب أمام التنازل عن حقيبة الصناعة، اندفع الرئيس المكلف سعد الحريري لإقناع حزب القوات اللبنانية بإعطاء حقيبة الثقافة لبري مقابل حصولها على التنمية الإدارية من الحريري لينال مكانها الإعلام، وهو ما وافقت عليه “القوات” بعد اجتماعٍ لكتلتها، الأمر الذي أطلق العدّ التنازلي لصدور مراسيم التشكيل بعد زيارة الحريري الى القصر الجمهوري وانضمام بري الى اجتماع “بروتوكولي” سلّم خلاله أسماء وزرائه الثلاثة بعدما كان حزب الله أوْدع الرئيس المكلف أسماء وزرائه الثلاثة.