على طريقةِ «أخْذ العِلم»، تعاطى لبنان مع إبداء طهران استعدادها للتعاون في مختلف المجالات والأطر التي تراها بيروت مناسِبة، متفادياً أي التزاماتٍ يمكن أن تجرّه الى «فوهة» المواجهة الأميركية – الإيرانية وتالياً تُعَرِّض للخطر كل مسار الدعم العربي – الدولي الذي يشكّل مؤتمر «سيدر 1» وعاءه الأساسي الى جانب خطوات أخرى قد تُقْدِم عليها دول خليجية.
وبدا لبنان حريصاً في مقاربة زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الذي التقى أمس رؤساء الجمهورية العماد ميشال عون والبرلمان نبيه بري والحكومة سعد الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، على أن يتفادى أيضاً جعْل العامل الإيراني عنصر انقسامٍ في الواقع المحلّي الذي يقف على مشارف مرحلة جديدة عبّر عنها تشكيل الحكومة التي يفترض ان تخرج من البرلمان الذي تمْثل أمامه اليوم وغداً بثقة قياسيةٍ.
وقد عبّر عن هذا المنحى خصوصاً موقفا عون وباسيل بعد محادثات كل منهما مع ظريف الذي بدتْ زيارته في إطار مهمة مزدوجة، أولاً لتهنئة لبنان بتشكيل الحكومة وثانياً لوضْع عنوان تفعيل التعاون في المجالات الاقتصادية والعسكرية، والذي كان «حدّد جدول أعماله» نصرالله قبل أيام، على الطاولة من ضمن مسارٍ اعتبرت أوساطٌ سياسية في بيروت أنه ينطوي على رسائل أرادتْ طهران توجيهها الى الخارج عشية مؤتمر وارسو حول «فائض القوة» الذي تتمتّع في المشهد اللبناني، وهو ما تنبّهتْ له الجامعة العربية التي أجرى أمينها العام أحمد أبو الغيط محادثاتٍ «متزامنة» مع كبار المسؤولين، في حين تستعدّ بيروت خلال ساعات لاستقبال المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا في خطوةٍ ستقطع الطريق على أي انطباعٍ بـ«إدارة الظهر» لـ«بلاد الأرز» وتأثيرات إيران في واقعها.
فرئيس الجمهورية، وبعدما أعرب عن «امتنانه للدعم الذي يلقاه لبنان من طهران في المجالات كافة انطلاقاً من علاقة الصداقة التي تجمع بين البلدين»، شكر ظريف الذي حمل الى عون رسالة من نظيره الإيراني حسن روحاني «على الاستعداد الذي أبْدته بلاده لمساعدة لبنان في المجالات كافة».
أما باسيل فحدّد المقاربة التي يتم من خلالها التعاطي مع عرْض إيران للتعاون انطلاقاً من معادلة «ان لبنان لا يجد حرَجاً بالقيام بأي تعاون اقتصادي مع إيران ما دام لا يمسّ بالقرارات الدولية ويضعنا بمأمن تحت سقف القانون الدولي وما دام يصبّ في مصلحة لبنان وغير مشروط سياسياً»، قائلاً في مؤتمره الصحافي المشترك مع ظريف: «عَرَض علينا التعاون ونحن منفتحون لإيجاد الأطر والآليات اللازمة التي تحمي لبنان وتجنّبه أي ارتدادات عكسية أو أضرار وتؤمن مصلحته والمصلحة المشتركة مع الجانب الإيراني»، ورابطاً بتّ أي أمر في هذا الإطار بـ«تقويم الدولة لمصلحة لبنان».
وفيما ركّز باسيل على ملف النازحين السوريين، أكد على مسامع ظريف التزام لبنان النأي بالنفس، عازياً عدم مشاركة لبنان في مؤتمر وارسو الى «حضور اسرائيل وثانياً الوجهة المعطاة للمؤتمر في وقت ينأى بلدنا عن مشاكل المنطقة والاصطفاف في محاور».
من جهته، حدّد ظريف مرتكَزاً للتعاون المقترَح مع لبنان ينطلق من «ان هذا التعاون البناّء لا يرتدّ سلباً على أي طرف بل هو لمصلحة لبنان وإيران والمنطقة»، مؤكداً في ما بدا رداً ضمنياً على باسيل «أن ليس هناك أي قانون دولي يحظر على لبنان التعاون مع إيران، حتى ان القرار 2231 يطلب من الدول العمل على تطبيع علاقاتها الاقتصادية مع طهران، وما تمارسه أميركا على كافة الدول انها تحملها على نقض روح هذا القرار الدولي».
واذ حيا موقف «لبنان النبيل» حيال مؤتمر وارسو، اعتبر «ان مشكلة المنطقة تتمثل في الاعتداء والتهديد والخطر الذي يمثّله الكيان الصهيوني، ولا يمكن أن نسمح للآخرين بأن يجعلوا الخطر الرئيسي في غياهب النسيان لمصلحة بدعة جديدة تقوم على الترويج لأخطار واهية ووهمية»، مؤكداً في الملف السوري دور بلاده في «المساعدة على إيجاد حل سياسي سواء عبر مسار استانة او لقاء سوتشي او مسارات بناءة أخرى»، ومعلناً «ان آلية الحل السياسي يجب ان تُحدَّد عبر إرادة السوريين وليس بإملاءات أجنبية، وأي حل سياسي يجب ان يتضمّن تأكيد احترام سيادة سورية ووحدة اراضيها ووجوب خروج كل القوات التي دخلتْ سورية من دون إذن شرعي من الدولة السورية».
وكان لافتاً ان محطة «أو تي في» (التابعة لحزب رئيس الجمهورية) استبقت محادثات ظريف الرسمية بمقدّمة إخبارية مدجَّجة بالرسائل اللافتة، مع وصْفها الزيارة بأنها «إنزال إيراني أبعد من دواء وكهرباء وحتى سلاح»، معتبرة ان طهران «تعلم أن بيروت لن تخاصم واشنطن ولن تخوض معركة معها من أجل سلاح إيراني، وهي – أي بيروت – سبق أن ردت موسكو خائبة في السلاح (…)»، وقائلة «ان بيروت عند طهران أصبحت بمثابة بغداد ودمشق وصنعاء، وربما أهمّ، محور المقاومة والممانعة لا يقف عند السلسلة الشرقية والحدود الجنوبية، بل يربط طهران بالضاحية عبر أوتوستراد الممانعة السريع من زاغروس إلى طوروس ومن الحديدة إلى جديدة يابوس».
وفي موازاة ذلك، أجرى ابو الغيط مباحثات مع عون وبري والحريري وشخصيات سياسية ركّزت على تهنئة لبنان بتشكيل الحكومة ومتابعة قرارات القمة العربية التنموية الذي عُقد في بيروت والتحضيرات للقمة العربية في تونس نهاية آذار، والقمة العربية – الاوروبية في شرم الشيخ أواخر الشهر الجاري.
ورداً على سؤال حول عودة سوريا الى الجامعة العربية، قال ابو الغيط «أتابع بدقة شديدة جداً هذا الموضوع، ولكنني لم أرْصد بعد أن هناك خلاصات تقود للتوافق الذي نتحدّث عنه والذي يمكن ان يؤدي الى اجتماع لوزراء الخارجية يعلنون فيه انتهاء الخلاف، وبالتالي الدعوة الى عودة سورية لشغل المقعد».