لم تحجب رسالةُ الدعمِ والتعاون “الشامل” التي حملتْها وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني إلى لبنان تأثيراتِ الاندفاعةِ البريطانية نحو إعلان فرْضَ حظرٍ كامل على حزب الله بما في ذلك جناحه السياسي، وتصنيفه منظمة “إرهابية”، وهو القرار الذي ما زال يحتاج إلى إقراره في البرلمان بعد غد ليصبح نافذاً.
وفيما شكّلتْ محادثاتُ موغيريني مع رؤساء الجمهورية العماد ميشال عون والبرلمان نبيه بري والحكومة سعد الحريري ووزيرِ الخارجية جبران باسيل إشارةً أوروبية إلى استمرار مظلّة الدعم للبنان وتحديداً لمؤتمر “سيدر 1” الذي يُعتبر “بوابة خروج” لـ”بلاد الأرز” من النفق المظلم المالي – الاقتصادي، فإن “الإنزال” البريطاني خلف خطوط الموقف الأوروبي الذي يصنّف الجناح العسكري لحزب الله فقط منظمة إرهابية عَكَسَ المخاوفَ من المنحى الذي يمكن أن يسلكه الواقع اللبناني في ظلّ اتجاه المواجهة مع إيران إلى فصول أكثر شراسة.
وبدت بيروت أمس، “تحت تأثير” رياح متعاكسة حيال الدلالات والتداعيات المحتملة لقرار حظر حزب الله بكامله ظهرّتْها قراءتان:
* الأولى خفّفتْ من وطأة الخطوة البريطانية وارتداداتها على العلاقات والتعاون بين البلدين، ارتكازاً على “تطمينات” تَحَدّث لبنان عن تلقيها من لندن في هذا الشأن، كما على الموقف الأوروبي الذي عاكَسَ قرار بريطانيا الذي وصفتْه موغيريني بأنه “شأن سيادي خاصّ بها، ولا يؤثر على موقف الاتحاد الأوروبي تجاه الحزب” وقبْلها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي أعلن أن “لدينا علاقات مع الجناح السياسي لحزب الله الممثَّل بالحكومة اللبنانية”، مشيراً إلى أنّه “لا يمكن أيّ دولة أن تضع حزباً لبنانياً ممثلاً في الحكومة على قائمة الإرهاب”.
وتحت هذا السقف “الاحتوائي” جاء موقف رئيس الوزراء سعد الحريري الذي اعتبر أن بريطانيا “تضع في الأساس الجناح العسكري لحزب الله على قائمة الإرهاب، والآن قد تكون أضافت الجناح السياسي، ونرى أن هذا الأمر يخصّ بريطانيا وليس لبنان، وما يهمّنا ألا تتضرر العلاقة بيننا، ونتمنى أن ينظروا إلى لبنان كلبنان وشعبه”، فيما أعلن وزير الخارجية جبران باسيل أن بريطانيا “أبلغت لبنان الحرص على العلاقات الثنائية” مؤكداً “لو وقف العالم بأجمعه وقال ان المقاومة إرهاب، فهو لا يجعل منها إرهاباً بالنسبة إلى اللبنانيين وما دامت الأرض محتلة، تبقى المقاومة محتضنة من مؤسسات الدولة وكل الشعب اللبناني”.
* والثانية بدتْ أقلّ اطمئناناً، وانطلق أصحابُها من أن موقف الاتحاد الأوروبي وباريس خصوصاً له حساباتٌ تتّصل بالدرجة الأولى بـ”أمن” قوة اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان وعدم الرغبة في جعْلها تعمل في “بيئة معادية”، وأن كل دول “القارة العجوز” بمن فيهم بريطانيا يلتقون عند عدم الرغبة في رجحان كفّة التوازنات في الواقع اللبناني، ولا سيما الحكومة، لمصلحة حزب الله.
وتوقّف هؤلاء عند الأبعاد البالغة الأهمية للخطوة البريطانية التي سارعتْ واشنطن إلى “مباركتها” وربْطها بالمواجهة مع إيران ونفوذها في المنطقة ما يشي بمسار متدحْرج من الضغوط يُخشى ان يكون من الصعب فصل لبنان الرسمي عن تشظياته، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية مايك بومبيو الذي غرّد “هذه المجموعة الإرهابية التي ترعاها إيران، يداها ملطخة بالدماء الأميركية وتواصل تخطيط وتنفيذ هجمات في الشرق الأوسط وأوروبا والعالم”، معتبراً ان “الجهود الأوروبية والعالمية لمواجهة إيران في نمو مستمر”، قبل ان ترحّب إسرائيل بدورها بقرار لندن.
وفي هذا السياق اتجهت الأنظار إلى الترجمات العملية للخطوة البريطانية وإذا كانت ستشمل وقف المساعدات للبنان، لا سيما العسكرية إلى الجيش اللبناني أو فرض عقوبات اقتصادية ضد لبنان وحكومته باعتبار أن حزب الله ممثّل في الحكومة بثلاثة وزراء بينها الصحة.
غير أن مصادر تسنّى لها الاطلاع على “التقييم الأولي” البريطاني، الأمني والسياسي، لتداعيات قرار لندن، أشارت إلى أن الأخيرة لا تتوقع أن يؤثّر في علاقة لندن “القوية” مع بيروت أو يفضي إلى “زيادة المخاطر” على المصالح البريطانية في لبنان او يؤدي إلى تغييراتٍ على الأرض كونه موقفا سياسيا أكثر منه ينطوي على ترجمات عمليّة فورية ما خلا منْع أي نشاط تمويلي أو نشاطات سياسية لمصلحة الحزب في بريطانيا.
وفيما توقّعت مصادر أن يصبح التعاطي البريطاني مع الحكومة اللبنانية “على الطريقة الأميركية” التي تفصل بين الموقف من حزب الله وبين لبنان الرسمي ومؤسساته الشرعية وأن يحفّز قرار لندن على المزيد من التمسك بسياسة النأي بالنفس، حدّثت لندن أمس، “نصائح السفر” لرعاياها إلى لبنان في ضوء إعلان فرْضَ حظرٍ كامل على حزب الله داعية إياهم إلى “تجنب الحشود الكبيرة، التجمعات وأي احتجاجات أو تظاهرات ذات صلة (بقرار لندن) ومتابعة وسائل الإعلام المحلية والبقاء على اطلاع على أي تحديثات على نصائح السفر”، نُقل عن مصدر في السفارة البريطانية في لبنان أنّ لندن “ستواصل دعم الحكومة اللبنانية على مستويات الأمن والاستقرار والازدهار والتعليم، حيث تناهز قيمة المساعدة البريطانية للبنان الـ200 مليون دولار سنوياً”.
وجاء “صخب” الخطوة البريطانية على وقع زيارة موغيريني لبيروت والتي تخللها تدشين المقر الجديد للاتحاد الأوروبي في لبنان (باحتفال حضره الحريري) والذي تخلله تأكيد المفوضة العليا للسياسة الخارجية والأمن في الاتحاد التعاون مع لبنان في مختلف المجالات “والعمل الذي نقوم به في القطاع الأمني وقطاع الدفاع أساسي، ليس فقط للبنان بل لأمن أوروبا أيضاً (…) والعام المنصرم، خلال مؤتمر (سيدر) تعهدنا المساهمة برزمة تتعدى المليار ونصف مليار يورو حتى العام 2020”.
وكان الرئيس عون أبلغ موغيريني بأن لبنان سيواصل إعادة النازحين إلى المناطق الآمنة في سورية ولن ينتظر الحل السياسي، لافتاً إلى “حرص لبنان على عدم تعريض السوريين العائدين لأي مخاطر، علماً أن المعلومات التي ترد إلى بيروت تشير إلى أن العائدين يلقون رعاية من السلطات السورية، وهذا ما يمكن للاتحاد الأوروبي وغيره من المنظمات الدولية التأكد منه”.
وكانت المسؤولة الأوروبية أوضحت بعد لقاء باسيل (ليل الاثنين بعدما وصلت من شرم الشيخ على متن طائرة الحريري) “اننا بحثنا التحضيرات لاجتماع بروكسيل منتصف مارس المقبل (..) وسبل المساعدة في تطبيق القرار 2254 بكامله، وهو يشكل بوصلة للعمل الذي نقوم به، ومساعدة السوريين على انهاء الحرب والتوصل إلى السلام وتوفير الظروف للعودة الآمنة والطوعية والكريمة”.