حمل الموفد الفرنسي بيار دوكان، في المعلومات المتوافرة، رسالة واضحة الى كل المسؤولين اللبنانيين مفادها:
اولاً ـ انّ فرنسا مسرورة بتأليف الحكومة اللبنانية، ولو انّ هذا التأليف جاء متأخراً، لكن بات لديها اليوم محاور شرعي كامل الصلاحيات، تتعاطى معه.
وتمنى ان تعوّض الحكومة عن تأخير تأليفها بتسريع الاصلاحات، لأنّ مؤتمر “سيدر”، وإن كان لا يزال قائماً، وأطرافه يهمّها مصلحة لبنان، ولا تزال تحافظ الى حدّ كبير على قيمة القروض الموعودة، فإنها تضغط لكي تقوم الحكومة اللبنانية بما طُلب منها من خطوات إصلاحية وتشريعات تؤدّي الى حسن تنفيذ المؤتمر.
ثانياً ـ أكد الموفد الفرنسي حرص الدول المانحة، وفي طليعتها فرنسا، على تشديد رقابتها على طريقة صرف القروض التي ستُمنح، وعلى مراقبة المناقصات، بسبب انتشار الفساد في لبنان ـ والمجتمع الدولي هنا غير مرتاح الى وضعية الفساد الذي تتحدث عنه السلطات اللبنانية ومختلف القيادات ـ وبالتالي، الدول المانحة لا تستطيع ان تتّكل على لبننة المراقبة، وتريد مراقبة دولية تمارسها دول مشاركة في “سيدر”.
ثالثاً ـ لقد ابلغ دوكان انّ الأموال يجب ان توظّف في مشاريع انتاجية وانمائية وعمرانية لإنقاذ الاقتصاد اللبناني والمالية اللبنانية، كذلك طلب ان تكون للدولة اللبنانية القدرة الادارية لاستيعاب تنفيذ مشاريع بقيمة نحو مليار دولار كل سنة، على مدى سنوات، خصوصاً انّ هناك تقارير تلقتها باريس من خبراء اقتصاديين تفيد أنّ لبنان ليس قادراً بهيكليته الحالية، وبالخلافات القائمة داخل السلطة اللبنانية، على ان يستوعب هذا المبلغ.
وقالت مصادر مطّلعة لـ”الجمهورية” انّ لقاءات دوكان عكست أجواء غير مشجعة. واوضحت انّ الرجل لم يكن مرتاحاً الى ما سمعه من الجهات االلبنانية المعنية بـ”سيدر” وانّ المقاربات التي سمعها من بعض هذه الجهات نمّت عن عدم إلمام جدي بملف “سيدر”، وغارقة في عناوين شكلية تفتقر إلى توضيح حول سبل ترجمتها، وهو أمر أثار تساؤلات لدى الوفد الفرنسي.
وأشارت المصادر إلى “أنّ المحادثات التي اجراها دوكان كشفت عن واقع لبناني مرير ومثقل بأزمات شديدة الصعوبة تبعث على الخشية، وربما أكثر من الخشية، من أن لا يتمكن لبنان من الإيفاء بالالتزامات التي قطعها على نفسه ربطاً بالاصلاحات التي يفرضها سيدر عليه وتشكّل الممر الإلزامي للبنان لكي يعبر نحو الاستفادة من تقديمات سيدر وتحقيق الأحلام الوردية التي عليها”.
وكشفت المصادر أنّ اللقاءات مع دوكان “عكست بعض الارتباك في الموقف اللبناني لعدم امتلاكه خريطة طريق واضحة لطريقة الإفادة من تقديمات سيدر، ولا حول طريقة إجراء الإصلاحات ولا حتى في تحديد الاولويات، وبَدت الهوة عميقة بين ما يطرحه دوكان لجهة الاستعجال في وضع مقررات “سيدر” قيد التنفيذ، وتحديداً لجهة إجراء الإصلاحات المطلوبة على وجه السرعة، وبين موقف لبنان غير القادر على القيام بها، نظراً لأزماته المتشعبة وحساسية وضعه السياسي والاقتصادي والمالي الذي يدفع إلى التشكيك في حصول لبنان على ما يريد من “سيدر”.
وفي هذا السياق قالت مصادر وزارية لـ”الجمهورية” انّ “دوكان متمكن جداً من الملف الذي يتولى متابعته، خلافاً لحالنا المتخبطة، فنتائج الاتصالات كما وردتني جعلتني أشعر التشاؤم وعدم الاطمئنان”.
إلى ذلك، ترددت معلومات حول لقاء عقده دوكان مساء في منزل السفير الفرنسي مع سفراء الدول المانحة وممثلي الصناديق العربية والدولية المعنية بمؤتمر “سيدر”، ورشح انّ أجواء ما تم التشاور فيه لم تكن مشجعة.
واللافت في هذا السياق، ما كشفته مصادر وزارية، من أنّ خلاصة المحادثات مع دوكان أظهرت انه كان مستاء وكَوّن انطباعاً سلبياً عن توجّه لبنان حيال “سيدر”، إلى حد أنه نسبت إليه اشارته الى انّ “اللبنانيين غير جديين”.
وفي هذا السياق، قال احد الوزراء لـ”الجمهورية”: “كان دوكان مستاء من عدم الجدية التي لمسها، وكذلك من عدم قدرة لبنان على الوفاء بما وعد به من إصلاحات والتزامات. من هنا الوضع صعب، إجراء إصلاحات سريعة مستحيل، وإجراء إصلاحات موجعة هو أمر أكبر من مستحيل نظراً الى التعقيدات السياسية والإدارية والطائفية، والوظيفية بشقيها المدني والعسكري. وكذلك، وهنا الاساس، كيف يمكن أن تجرى إصلاحات في دولة مفلسة؟ اكثر من ذلك المطلوب إجراء إصلاحات في غضون شهرين او ثلاثة على الاكثر، هذا إذا بدأ العمل غداً، فيما الواقع اللبناني ليس قادراً على ان يخطو ولو خطوة واحدة في هذا الاتجاه قبل أقل من سنة”.