… في الوقت الذي قَلَب المجتمع الدولي “الساعة الرملية” للبنان الذي “لا يملك ترف إضاعة الوقت” في الطريق إلى بدء مسار الإصلاحات “الشَرْطية” للاستفادة من مخصصات مؤتمر “سيدر” للنهوض المالي – الاقتصادي، بدت بيروت على تخوم الغرق مجدداً في “الرمال المتحركة” السياسية، داخلياً من بوابة عنوان مكافحة الفساد الذي يجعله “حزب الله” منصّة لـ”بنك أهداف” في اتجاهات عدة، ومع الخارج الذي عادت “عينه الحمراء” على الحزب مع قرار لندن اعتباره بجناحيْه العسكري والسياسي منظمة إرهابية.
وفيما كان لافتاً أمس تنديد الخارجية الإيرانية بالقرار البريطاني (صادق عليه البرلمان)، جاء ردُّ “حزب الله” مُحَمّلاً برسائل في الشكل والمضمون، من التحدث “باسم الشعب اللبناني الذي يشكل هذا القرار إهانة لمشاعره وعواطفه”، إلى الكلام عن ان هذا الشعب «يعتبر حزب الله قوةً سياسية وشعبية كبرى منحها تمثيلاً واسعاً في البرلمان والحكومة”، والتمسّك بدور الحزب “في مواصلة الدفاع عن لبنان وحريته واستقلاله”، وليس انتهاءً بإشارةٍ ذات دلالة إلى أن لندن التي عبّر قرارها عن “انصياع ذليل للإداة الأميركية (…) تستجلب العداء مع شعوب المنطقة على حساب مصالح شعبها ودورها ووجودها في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي”.
وفي حين تستعدّ بيروت لاستقبال وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال افريقيا ألستر بيرت منتصف الأسبوع الطالع، اعتبرت أوساط سياسية ان بيان “حزب الله” انطوى على لغةٍ أراد من خلالها الحزب تأكيد “تفوُّقه الاستراتيجي” في الواقع اللبناني في وقت بدا أن الحكومة أربكتها خطوة لندن ونأت بنفسها عنها تفادياً لانفجار هذا “اللغم” بين يديْها.
واستوقف الأوساط السياسية أن عدم مهادنة “حزب الله” إزاء القرار البريطاني ترافقتْ مع اندفاعةٍ ممنْهجة داخلياً على جبهة محاربة الفساد تحت عنوان الحسابات المالية للدولة، وهي الاندفاعة التي تؤشر إلى منحى لتصفية حسابات مع “الحريرية السياسية” وتحديداً مع مرحلة تولي الرئيس الشهيد رفيق الحريري الحكم، وصولاً الى فترة ترؤس الرئيس فؤاد السنيورة حكومتيه (2005 و2009).
وإذ شكّل المؤتمر الصحافي للسنيورة أول من أمس، إشارةً واضحة للأبعاد والتداعيات الكبيرة لتصويب “حزب الله” على الرئيس السابق للحكومة الذي “فتح النار” على أدوار الحزب السياسية والعسكرية و”فساده السياسي” بوصْفه “جوهر المشكلة”، تكثر علامات الاستفهام حول خلفيات “الهجمة” على “الحريرية” من “حزب الله” الذي لم يكن يُخْفي رغبته في “اجتثاثها”.
وبدا واضحاً أمس مضيّ “حزب الله” في الهجوم على السنيورة وهو ما عبّر عنه بيان النائب حسن فضل الله الذي اعتبر ان “السنيورة سمَّى نفسه ووضعها في قفص الاتهام مع عراضة إعلامية جَعَلها منصة للتجييش السياسي والمذهبي”، معتبراً “ان الطريق الأقصر والأسلم للحصول على صك البراءة هو القضاء”.
في المقابل برزت ملامح “خط أحمر” يرتسم أمام أيّ “مساس” بالسنيورة بوصْفه أحد أركان مرحلة “التصدّي” لقوى 8 آذار من فريق 14 آذار إبان فترة الاستقطاب الحاد في البلاد وأيضاً بوصْفه امتداداً لنهج الرئيس رفيق الحريري.
وفي هذا الإطار برز تطوران: الاول اعتبار الأمين العام لتيار المستقبل” أحمد الحريري “أن حملة حزب الله هي للتضليل والتحريض والافتراء ومحاولة قلب الحقائق، ولا أساس لها بلغة الارقام والحقيقة والمستندات”، معلناً “ان مآثر الحزب في الفساد كثيرة، من يحيى تلكوم الى المرافئ الحدودية… ومن الاجدر بحزب الله الذي يتحدث عن مكافحة الفساد أن يبدأ بنفسه، بدل الافتراء على الآخرين، وأن يسأل عن كلفة الهدر الذي كان شريكاً فيه، وعن كلفة تعطيل الدولة والمؤسسات ، فضلاً عن الأكلاف الباهظة للحروب والمعارك المتنقلة في الداخل والخارج”.
والتطوّر الثاني الزيارة البالغة الدلالات التي قام بها سفيرا السعودية والامارات وليد بخاري وحمد سعيد الشامسي، للسنيورة بعد ساعات من مؤتمره الصحافي، في ما اعتُبر رسالة الى أن أي انزلاق للحملة على الرئيس السابق للحكومة نحو مسار “ثأري” ستكون لها ارتدادات خليجية وخيمة.
وعلى وقع هذا المناخ المحموم والذي يشي بمزيد من التفاعلات الساخنة، تُطرح أسئلة حول تأثيراته على الورشة الحكومية – النيابية المفترضة لتهيئة الأرضية التنفيذية لمؤتمر “سيدر” والتي كانت محور محادثات المبعوث الفرنسي المكلف متابعة مقرّرات المؤتمر بيار دوكان مع كبار المسؤولين والوزراء المعنيين.
وفي سياق متصل، عَكَس إبقاء وكالة “ستاندرد آند بورز” للتقييم على تصنيفها الائتماني السيادي للبنان عند (-B) مع النظرة المستقبلية من مستقرة إلى سلبية أن “بلاد الأرز” أمام فترة سماح لن تطول لتجرُّع كأس الإصلاحات الموجعة.