حزب الله المنهك يخشى خوض معركة كبرى أخرى

حزب الله المنهك يخشى خوض معركة كبرى أخرى
حزب الله المنهك يخشى خوض معركة كبرى أخرى

أصبح حزب الله اليوم يملك قوة عسكرية وسياسية أكبر من أي وقت مضى منذ تأسيه في 1985، بعد الانتصارات الأخيرة على أرض المعارك في سوريا، بدعم من إيران، وحيازته ترسانة ضخمة من الأسلحة في لبنان. لكن، هذه القوة جلبت معها الكثير من المشاكل تجعل من هذا الصعود نذيرا ببداية الانهيار.

اعتقد أنصار حزب الله أن هذه “القوة” التي يملكها الحزب اليوم تعوّضه على ما خسره من قاعدة شعبية عربية، بعد موقفه من الأحداث في سوريا وانكشاف ولائه المطلق لإيران على حساب أمن لبنان واستقراره وسيادة قراره. لكن، متابعة ما بين سطور الأحداث يكشف أن هذه القوة هي قوة من ورق، وذلك لعدة أسباب، منها ما يرتبط بحزب الله، ومنها ما له علاقة بالعقوبات على إيران والموقف الدولي منها.

ويستشرف براين كاتز، الخبير في برنامج الأمن الدولي في مركز الشؤون الإستراتيجية والدولية، مستقبلا قاتما لحزب الله، مشيرا في دراسة نشرتها مجلة “فورين أفيرز”، التي تصدر عن مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، إلى أن توسّع حزب الله سلّط الأضواء على أنشطته، وهو اليوم محاصر بالعقوبات المفروضة على قادته وشركاته، كما العقوبات المفروضة على إيران والتي تؤثر على التمويلات المرصودة له، كما يتأثر بالحرب على تجارة المخدرات وغسيل الأموال التي يديرها من أفريقيا إلى أميركا اللاتينية.

في خضم هذا التضييق، يشهد حزب الله تصعيدا من جانب إسرائيل. ورغم تصريحات أمينه العام السيد حسن نصرالله وعدد من قياداته، بشأن قصف إسرائيل، إلا أن الأمر هذه المرة يبقى من الصعب أن يتعدّى إلى مرحلة الفعل. أطلقت هذه التصريحات صافرات الإنذار في إسرائيل، وأصبحت الآن الضربات العسكرية الإسرائيلية الكبرى داخل لبنان واردة جدا. لكن، مقابل الضربات الإسرائيلية لا يبدو أن حزب الله اليوم في حالة تسمح له بخوض حرب كتلك التي أقحم فيها لبنان سنة 2006.

يرى كاتز أن حزب الله، الذي هو الآن بصدد موازنة عدد من التزامات الداخلية والإقليمية، لا يرغب في خوض معركة كبرى أخرى. ومع ذلك يجد هذا التنظيم نفسه في مأزق، إذ مع كل خطوة يتخذها للتوقّي من هجوم إسرائيلي محتمل تصبح المواجهة أكثر احتمالا. وستبيّن تحرّكات حزب الله في الأشهر المقبلة ما إذا كان بإمكانه السير على هذا الحبل الرفيع، والذي قد تسبب نهايته في كارثة للحزب نفسه وللبنان والمنطقة ككل.

خرج حزب الله للتوّ من حملة دامت سنوات من المغامرات العسكرية في المنطقة، خسر خلالها قواعد بشرية مؤثرة. ويقدّر مركز مئير عميت للمعلومات حول الاستخبارات والإرهاب نسبة خسارة الحزب البشرية منذ تدخل في سنة 2013، عسكريا في الحرب الدائرة في سوريا بحوالي 43 بالمئة.

وتمثّل سوريا ممرا للأسلحة الإيرانية المتوجهة لحزب الله. لذلك كانت الحرب بالنسبة له مسألة وجودية. وإلى جانب المجموعات التي تقاتل في سوريا، أرسل الحزب كل بعثات أصغر إلى مناطق ساخنة أخرى، حيث انضم حزب الله إلى إيران في نشر مدربين ومستشارين لدعم الميليشيات الشيعية التي تحارب داعش في العراق. وفي اليمن قدم حزب الله وإيران لنجدة المتمردين الحوثيين في حربهم ضد حكومة البلاد، والتدخل العسكري بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. ومازال مستشارون يتبعون حزب الله موجودين في اليمن، لبناء القدرات العسكرية الحوثية ومزيد إغراق الخصوم الخليجيين في المستنقع.

وساعد وجود جبهة داخلية هادئة نسبيا حزب الله في الإبقاء على قواته في الخارج. لكن، الأمر يبدو أشبه بسلاح ذي حدين، فإذا نفّذت إسرائيل فعلا عملية عسكرية نوعية كيف يمكن أن يرد حزب الله عليها ضد مواقعها لتحويل الصواريخ العادية إلى أخرى متطورة على سبيل المثال.

من جهة، حزب الله ممتد بشكل أضعفه، فضلا على أن صعوده تم بتكلفة ثقيلة في الأرواح والمال. إذ تكبّد حزب الله الآلاف من الضحايا في سوريا وترك ليتحمّل الأعباء المالية للعناية بالجرحى وعائلات القتلى. ولا يبدو أن الحرب الإقليمية ستنتهي قريبا، ما يعني أن على حزب الله أن يُبقي على جنود في سوريا والعراق كان يأمل في أن يسحبهم. وبالتالي لا يبدو أن الحرب مع إسرائيل مرغوب فيها هذه المرة، خاصة وأن حزب الله التسامح سيجد نفسه مضطرا للرد، خاصة بالنظر إلى أنه يضع نفسه في مقدمة التحالف المعادي لإسرائيل. ويشير كاتز بالقول “إذا ضربت إسرائيل سيكون حزب الله أمام معضلة، فكيف بوسعه أن يقوم بردّ قويّ كفاية لردع عمل إسرائيلي آخر، لكنه غير مدمر إلى درجة التسبب في المزيد من التصعيد”.

ويضيف “تقول قوانين اللعبة غير الرسمية التي تكوّنت على مدى العقد الماضي بأن حزب الله قد يرد بشكل متكافئ عن طريق هجوم ضدّ مرفق عسكري إسرائيلي، مع التسبب في عدد قليل من الضحايا أو دون تسجيل أيّ ضحايا. لكن هذه الأفعال وردود الأفعال تترك مجالا فسيحا للحسابات الخاطئة والخطأ في النظرة، فما يراه طرف ردا متكافئا قد يعتبره الطرف الآخر تصعيدا خطيرا”.

في عام 2006 كانت غارة مميتة لحزب الله على جنود إسرائيليين هي التي استفزت إسرائيل لإعلان الحرب، وهو رد فعل اعترف نصرالله لاحقا بأنه لم يتوقعه البتة. ومن ثم يمكن للصراع أن ينشأ بسرعة حتى وإن لم يكن أي من الطرفين يريد حربا معلنة. ويخلص كاتز بقوله إنه إلى حد الساعة، إن فهم الطرفين بأن حرب 2006 لن تكون شيئا يذكر، بالمقارنة مع التدمير الذي سيحدثه صراع جديد هو ما حال دون دخول الطرفين في حرب مباشرة، لكن لا توجد أي ضمانة بتواصل هذه الحالة من الانفراج. وفي النهاية قد تكون انتصارات حزب الله الأخيرة سببا في نهايته.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى "الوادي الأخضر": من ذروة المجد إلى شفا الانهيار؟