تتلبّد الغيومُ الداكنة فوق لبنان الذي يخضع لضغوطٍ هائلة ناجمة من جهة عن اشتداد المواجهة الأميركية مع إيران وأذرعها وفي مقدّمها حزب الله، ومن جهة أخرى عن المخاطر المالية التي عادتْ إلى الواجهة وبدا كأنها تُسابِق قطارَ الإصلاحات المطلوب وضْعه على السكة لإطلاق المسار التنفيذي لمؤتمر “سيدر 1”.
وفيما تشخص الأنظار على المواقف التي سيطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اليوم، يعوّل لبنان على لزيارةُ التي بدأها الرئيس ميشال عون أمس لموسكو، باعتبار أنها يمكن أن تعطي دفْعاً لعنوان عودة النازحين السوريين “الآن وليس غداً” انطلاقاً من الرهان على تحريك المبادرة الروسية أو الوقوف على المكامن الحقيقية التي ما زالت تعوقها، وفي الوقت نفسه الحصول على تطميناتٍ بعدم جنوح اسرائيل نحو مغامراتٍ عسكرية ضدّ لبنان واستكشاف تداعيات قرار واشنطن حول مرتفعات الجولان ولا سيما على مزارع شبعا اللبنانية المحتلّة (مشمولة بالقرار 242)، الى جانب الإحاطة بمجمل الوضع الاقليمي وآفاقه وخصوصاً في ما خص الأزمة السورية.
وتلاحظ أوساط سياسية، أن الوفد المصغّر الذي يرافق عون والذي يقتصر على وزير الخارجية جبران باسيل والمستشارة ميراي عون هاشم، يعكس في جانبٍ منه محاذرةَ لبنان تحميل هذه الزيارة أبعاداً يمكن ان تجرّه الى لعبة المحاور في المنطقة أو تؤشر الى تبدّلات في علاقاته الدولية، مشيرة الى أن “بلاد الأرز” التي تتكئ على دعْم غربي ولا سيما أميركي للجيش ما زالت تتريّث في السير باتفاقية التعاون العسكري مع موسكو رغم إدخال الأخيرة في الملف الاقتصادي من البوابة النفطية.
وتتحضّر بيروت بعد عودة عون لسلسلة محطاتٍ تتصل بإدارة الملفات الداخلية ولا سيما الاقتصادية – المالية التي ترتبط بالإصلاحات الشَرْطية لبدء تطبيق مقررات مؤتمر “سيدر”، وسط توقُّف مصادر مطلعة عند أن انقضاء نصف “فترة السماح” (3 أشهر) التي مُنحت للحكومة الجديدة لإعطاء الإشارات الجدية نحو انطلاق المسار الإصلاحي (مدْخله إقرار موازنة 2019 بأرقام مخفّضة ووضع ملف الكهرباء على طريق المعالجة الجذرية) يترافق مع عودة القلق حيال مجمل الواقع المالي واحتمالات انهياره بحال لم يبدأ الإصلاح الحتمي.
وفي هذا السياق، اعتُبر الكلام “غير المألوف” الذي قاله قبل أيام قليلة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بمثابة “جرس إنذار” حيال مخاطر التأخر في السير بالإصلاحات والتأثيرات السلبية لذلك على المالية وأسعار الفوائد (ارتفاعها)، علماً ان سلامة حمّل “قياديي البلد مسؤولية كبيرة في الحجم الكبير للقطاع العام الذي بات يبلغ 35 في المئة من الناتج المحلي مقارنة مع 17 في المئة قبل الحرب”، معتبراً ان “سوء الادارة يساهم في عجز الموازنة والتضخم ويهدد استقرار البلد والقدرة الشرائية للمواطن وهذا ما يثير مخاوف المؤسسات الدولية ووكالات التصنيف التي أصبحت نظرتها سلبية للبنان”.
وجاءت الخطوة التي كُشف، بعد كلام سلامة، عن أن وزير المال علي حسن خليل اتخذها وطلب بموجبها من مراقبي عقد النفقات “وقف حجز مختلف أنواع الإنفاق باستثناء الرواتب والاجور وتعويض النقل الموقت” لتعزز “النقزة” من أن الواقع المالي ليس على ما يرام، بعدما فُسّرت هذه الخطوة خطأً على أنها إشارة الى أن الدولة لم يعد باستطاعتها حالياً سوى دفع الرواتب والأجور، الأمر الذي اضطر معه خليل لتوضيح أن ما قام به “لا يتعلق بأي شكل بنضوب المال، بل يرتبط حصراً بمشروع موازنة 2019” وهو إجراء احترازي بعدما شعر بأنّ الوزارات تميل الى الإفادة من فترة الانتظار الحالية قبل مناقشة الموازنة وإقرارها لحجز نفقات اضافية تحميها من أي خفض قد يحصل.