على طريقة “القلّة تولّد النقار”، تعيش بيروت هذه الأيام أجواء “حروبٍ صغيرةٍ” في كنف “القلة” (الضائقة) المالية – الاقتصادية التي “تقبض” على البلاد كما “القلّة” (الخواء) السياسية التي تَحْكم الواقعَ اللبناني المنضبط تحت سقفِ “وضعية انتظارٍ” تُخْفي وراءها تَسْليماً غير معلَن باختلال التوازنات الداخلية الذي تَكرّس في الانتخابات النيابية الأخيرة.
وفيما كان اللبنانيون ومعهم القيّمون على مؤتمر “سيدر” والدول المانحة يترقّبون إقرار خطّة الكهرباء باعتبارها المؤشر الفعلي الأوّلي إلى جدية الحكومة في الالتزام بسلّة الإصلاحات المالية – الاقتصادية كأحد الضمانات للاستفادة من مخصصات المؤتمر، طغتْ على العنوانِ – الأولوية الذي يشكّله وضْع البلاد على سكة النهوض وتَفادي الانهيار “معاركُ” سياسية – قضائية – أمنية أثارتْ مخاوف من أن تتحوّل إلى “مكابح” لمسيرة إعادة “المناعة” لاقتصادٍ عالقٍ بين مطرقة مديوينة هي من الأعلى في العالم وبين سندان أكلاف باهظة يتكبّدها بفعل وقوع لبنان على “خط الزلازل” الاقليمي وأدوار حزب الله العابرة للحدود ووضعيّته خارج الدولة.
وفي هذا السياق برزتْ 4 تطورات:
• الأول، موافقة الحكومة على خطة لإصلاح قطاع الكهرباء تهدف إلى تعزيز طاقة توليد الكهرباء وتقليص الدعم الحكومي. وقال رئيس الحكومة سعد الحريري، ان “مجلس الوزراء أقر خطة الكهرباء بالإجماع بكل بنودها، وكان الجو ايجابياً”.
• الثاني، “انفجارٌ” غير مألوفٍ في العلاقة بين مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس وشعبة المعلومات التي ادّعى عليها الأول بجرم “التمرّد على سلطته”، بوصفها ضابطة عدلية تعمل بإشارته وبجرم “تسريب معلومات عن مضمون تحقيقات أولية، وتحوير هذه التحقيقات وتشويه وقائعها، واحتجاز أشخاص وتوقيفهم خارج المهل القانونية”.
وجاء هذا التطور على خلفية ملف “سماسرة العدلية” الذي تحوّل “كرة ثلج” من توقيفاتٍ تتّصل بدفْع رشى وقبْضها طاولت مدنيين وأمنيين وأفضتْ الى وقف أربعة قضاة عن العمل من ضمن مسارٍ من التحقيقات لم ينتهِ لدى شعبة المعلومات والنيابة العامة التمييزية والتفتيش القضائي.
وأتتْ خطوة جرمانوس، الذي سطّر أيضاً استنابة قضائية طلب فيها ابلاغه عن أي رشاوى مالية تقاضاها عسكريون بمواضيع حفر آبار ارتوازية من دون تراخيص وأعمال بناء ومخالفات بناء لا سيما في قضاء المنية (الشمال)، على وقْع تقارير صحافية (جريدة الأخبار) تحدّثتْ عن “حرب بين قضاة العهد” (في إشارة الى قضاة محسوبين على تيار الرئيس ميشال عون) على تخوم عملية مكافحة الفساد التي انطلقتْ وبعض مَن تطاولهم، مسمّيةً في هذا السياق المدّعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون وقاضي التحقيق الأوّل في بعبدا نقولا منصور ومفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية.
وطَرَح “الاشتباكُ” القضائي – الأمني أسئلةً حول تأثيراته على المعركة ضدّ الفساد والحسابات السياسية التي يمكن ان تعترض طريقها، الى جانب الارتدادات التي قد تتركها على العلاقات بين أركان الحُكم ولا سيما أن “شعبة المعلومات” محسوبة على “تيار المستقبل”، من دون إغفال “أضرار” مثل هذا الاشتباك على صورة لبنان حيال المجتمع الدولي الذي يضع البلاد “تحت المراقبة” رصْداً لمدى الجدية في الانطلاق بقطار الإصلاحات.
• والتطوّر الثالث “غزوةُ” المواكب السيّارة التي حملتْ أعلاماً سورية وصوراً لبشار الأسد وجابت بيروت عصر الأحد وسلكتْ شوارع الاشرفية (الجميزة – الصيفي) في طريقها الى فندق الكورال بيتش حيث اقيم احتفال بذكرى تأسيس قيادة حزب البعث، وهي الخطوة التي اعتُبرت استفزازيةً وكان يمكن أن تفضي إلى احتكاكاتٍ خطيرة مع المنطقة ذات الغالبية المسيحية والتي تختزن ذاكرتها فصولاً دموية من مواجهة مع الجيش السوري إبان الحرب التي يحيي لبنان السبت المقبل ذكراها الـ44.
واعتبرتْ أوساط سياسية ان “عراضة” مؤيدي النظام السوري حملتْ رسائل استقواء برسْم الداخل اللبناني والقوى المناهِضة للنظام.
• أما التطوّر الرابع فعودة التوتر السياسي الى العلاقة بين حزب الله ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط على خلفية إلغاء وزير الصناعة وائل ابو فاعور ترخيصاً كان منحه وزير حزب الله حسين الحاج حسن قبل أعوام لآل فتوش لانشاء معمل اسمنت في جبال عين داره (الشوف)، وهو ما قوبل حينها باعتراضاتٍ من الأهالي وجمعيات بيئية.
وإذا كانت تغريداتُ جنبلاط في الأيام الماضية (آخرها أمس عاد وحذفها) عبّرت عن عودة “الغيوم” الى العلاقة انطلاقاً من هذا الملف، فإن قريبين من الحزب لم يتوانوا عن ربْط قراره بتجميد العلاقة مع “التقدمي” بعناوين سياسية أبرزها موقف الزعيم الدرزي من ملف النازحين السوريين ومن نظام الأسد.