واشنطن – تمضي الإدارة الأميركية قدما في إستراتيجيتها للضغط على إيران وحزب الله وفق خارطة طريق تحاصر أنشطتهما، العسكرية كما التجارة غير المشروعة وتبييض الأموال، في لبنان ودول عديدة من الشرق الأوسط والعالم.
ويأتي القرار الأميركي وضع شبكة شمس اللبنانية على قائمة الإرهاب ضمن هذه الخارطة التي تتضمن طرقا ومسارات طويلة لمحاصرة كافة شبكات تمويل حزب الله وإيران. وكانت وزارة الخزانة الأميركية أعلنت عن فرض عقوبات على اللبناني قاسم شمس بتهمة نقل الأموال نيابة عن منظمات تهريب المخدرات وحزب الله.
وقالت في بيان لها إن “شمس وشبكته العالمية لتبييض الأموال ينقلان العشرات من ملايين الدولارات شهريا من عائدات المخدرات غير المشروعة نيابة عن عصابات المخدرات ويسهلان حركة الأموال لحزب الله”.
وقالت وزارة الخزانة الأميركية في شأن الشبكة اللبنانية الجديدة، إن مبيّض الأموال اللبناني قاسم شمس هو صاحب شركة “شمس للصرافة” التي تتاجر بالمخدرات في جميع أنحاء العالم نيابة عن منظمات تهريب المخدرات وتسهّل نقل الأموال لحزب الله.
وكانت صحيفة “غلوبال نيوز” الكندية كشفت الشهر الماضي عن تمكن الولايات المتحدة بالتعاون مع أجهزة مخابرات دولية، لاسيما كولومبية وكندية وأسترالية، من تفكيك شبكة مرتبطة بعصابة “لا أوفيسينا” الكولومبية، تعمل على تهريب أموال بالمليارات من الدولارات، تجري لتمويل أنشطة حزب الله العسكرية.
وتندرج العقوبات الأخيرة، وفق تصريحات مساعد وزير الخزانة الأميركية سيغال ماندلكر، ضمن “الحملة غير المسبوقة للإدارة لمنع حزب الله وأتباعه الإرهابيين العالميين من الاستفادة من العنف والفساد وتجارة المخدّرات”، فيما أكّد مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسلي أن “النبرة التي يتحدث بها الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله تؤكد نجاح العقوبات الأميركية في تجفيف مصادر التمويل”. وأضاف المسؤول الأميركي أن منظمة إرهابية داخل كولومبيا تهرب المئات من ملايين الدولارات لصالح حزب الله.
ويتولى شمس تحويل الأموال من وإلى أستراليا وكولومبيا وإيطاليا ولبنان وهولندا وإسبانيا وفنزويلا وفرنسا والبرازيل والولايات المتحدة، كجزء من نشاطاته المتعلقة بغسل أموال المخدرات.
وأصدر بيانا، صباح الجمعة، نفى فيه علاقته بحزب الله وأنكر التهم الموجهة إليه، كما أنكر أية علاقة له بأيمن جمعة الذي فرضت وزارة الخزانة الأميركية عليه العقوبات عام 2012. وقال شمس إنه “يمكن التأكد من كل التحويلات التي تثبت عدم صحة هذه الاتهامات” لرد تهمة تبييض الأموال.
ورأى مراقبون في بيروت في بيان شمس أنه نموذج حالي ومقبل لعملية ابتعاد متصاعدة ستلجأ إليها شرائح ودوائر سياسية واقتصادية لأخذ مسافة من حزب الله، والتبرؤ من أي علاقة معه. وأضافوا أنه أمر جديد ولافت، ذلك أن كل هذه الدوائر كانت تجاهر بتمسكها بالعلاقة مع حزب الله حين كانت العقوبات تفرض عليه قبل سنوات.
ويبدو أن الإدارة الأميركية تتعامل مع مسألة حصار حزب الله بشكل جدي غير مسبوق، فإلي جانب تحركات الخزانة الأميركية، أصدرت وزارة الخارجية الأميركية في 9 أبريل توجيهات جديدة لمواطنيها بشأن السفر إلى بلدان العالم. وأضافت الوزارة خانة جديدة تحذر فيها مواطنيها من خطر تعرضهم للاختطاف في 35 دولة بينها لبنان.
واتخذ هذا القرار الجديد بعد أسبوعين على الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى بيروت، ما أثار تكهنات حول الانطباع السلبي الذي تشكل عند الوزير الأميركي والوفد المرافق له جراء هذه الزيارة، خصوصا إثر التقائه برئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون ورئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري.
وتتنزل جولة بومبيو إلى باراغواي هذا الأسبوع-في أحد جوانبها- في سياق محاصرة حزب الله وشبكاته في تبييض الأموال وتجارة المخدرات. وتمثل باراغواي محورا رئيسيا للتمويل غير المشروع في المنطقة. يتمركز نشاط حزب الله في أميركا الجنوبية في منطقة الحدود الثلاثية بين الأرجنتين والبرازيل وباراغواي.
ويقول الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات إيمانويل اوتولانغي إن باراغواي تعاني من مشكلة تتعلق بحزب الله. وينكر العديد من كبار مسؤوليها نفوذه، ويرجع ذلك إلى الرشاوى التي تلقوها مقابل الصمت على تحركات حزب الله. ويمكن للولايات المتحدة الاستفادة من تشريع العقوبات الحالي، بما في ذلك قانون منع التمويل الدولي لحزب الله، لتعطيل شبكاته الخارجية واستهداف الأطراف الموجودة في باراغواي وغيرها من الدول التي تسهل نشاطه.
وبالتزامن مع التحركات الخارجية لمحاصرة شبكات حزب الله، تعمل الإدارة الأميركية على تضييق الخناق عليه في الداخل اللبناني. وتدعم الإدارة الأميركية موقفها، بتأكيدها مواصلة دعم المؤسسات اللبنانية لتقوية الدولة اللبنانية وإضعاف دولة حزب الله. وقد شهدت السنوات الأخيرة تنسيقا عالي المستوى بين الإدارة الأميركية ومؤسستي الجيش اللبناني ومصرف لبنان.
وقد أكد بيان وزارة الخزانة الأميركية على أنها “مصمّمة على العمل مع مصرف لبنان لمنع تجار المخدرات ومبيّضي الأموال والجماعات الإرهابية مثل حزب الله من ولوج النظام المالي اللبناني”، الأمر الذي يدعم ما تردد بشأن تحضير الإدارة الأميركية لرزمة جديدة من العقوبات ضد حزب الله تستهدف الدوائر القريبة والمتحالفة مع الحزب، بما في ذلك رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ووزير الخارجية اللبناني جبران باسيل.
ورغم أن هذه الأنباء لم تحظ بتأكيدات أميركية رسمية صادرة عن الإدارة في واشنطن، إلا أن بومبيو، حين سئل عن الموضوع، لم يؤكد الموضوع لكنه لم ينفه أيضا.
وكان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، وفي محاولة لطمأنة حلفائه في لبنان، قال في آخر إطلالة له، الأربعاء إن لا معطيات جادة حول احتمال تعرض “بري والأخوة في حركة أمل” للعقوبات الأميركية.
بالمقابل توجه وفد برلماني لبناني مؤلف من رئيسي لجنة المال والموازنة النيابية النائب إبراهيم كنعان (المقرب من عون) ولجنة الشؤون الخارجية ياسين جابر ومعهما مستشار رئيس المجلس النيابي علي حمدان (المقربيْن من بري) إلى واشنطن للقاء المسؤولين الأميركيين ومسؤولين من البنك الدولي للتباحث في مسائل تتعلق بالوضع الاقتصادي والمالي اللبناني.
ولا يستبعد أن تكون مهمة الوفد الأساسية توضيح موقفي بري وباسيل وفريقهما السياسي وإقناع الإدارة الأميركية بعدم شمولهم داخل مروحة عقوباتها ضد حزب الله. وتقول مراجع سياسية لبنانية مطلعة إن بري، وبعد اجتماعه بالوزير بومبيو، أدرك جدية التحوّل الذي تمثله إدارة الرئيس دونالد ترمب بشأن التعامل مع ظاهرة حزب الله في لبنان، وأن واشنطن عازمة على الذهاب بعيدا لقطع الطريق أمام الحزب وحلفائه.
ولا تنفصل زيارة بري إلى العراق عن محاولته أخذ مسافة من حزب الله وإيران. كما تأتي موافقة المرجع الشيعي آية الله السيستاني على لقاء بري أيضا ضمن سعي المرجعية إلى توسيع خيمتها لتشمل الشخصيات والتيارات السياسية الشيعية العربية البعيدة عن مرجعية الولي الفقيه.