في هذا الصدد، وعلى رغم نهج التواضع في الخطاب السياسي باشرت السلطة "التكشير" عن أنيابها، إذ لا ينفصل اقتحام جهاز امن الدولة الى مبنى الخارجية عن تحذير رئيس الحكومة موظفي القطاع العام عبر بيان رسمي حول منع الاضراب أو التظاهر ما يفضي الى إستنتاج عن تخبط حكومي واضح في التعاطي مع مختلف الملفات ما قد يسفر عن تصرفات غير مسؤولة بفعل فقدان الاعصاب .
ثمة ما هو أخطر من مجرد إرباك الحكومة في معالجة سيل من الازمات وإحتقان الشارع إلى درجات مرتفعة قابلة للانفجار، حيث يؤكد مطلعون أن الطابع التبريري لبعض الاطراف حول عدم تراكمات أدّت إلى الواقع المأسوي، كما أن محاولة أطراف أخرى رفع المعنويات لا تجدي نفعا طالما أن مهلة الـ90 يوما التي وضعها تكتل "لبنان القوي" لوزرائه إنقضت، ولم يتم إحراز أي إنجاز، ولا تزال حالة المراوحة في الوضع الحكومي مسيطرة، كما أن قرارات مؤتمر "باريس 4" أو "سيدر"، التي راهن عليها الحريري شخصيا أضحت في مهب الريح بعدما إستنزف لبنان كل المهل الزمنية و إستهلك معظم الفرص.
في ظل هذا الواقع ، اشار مصدر سياسي مطلع بارز لـ "لبنان 24" الى أن حجم التباينات بين اركان السلطة في التعاطي مع الموازنة أكثر بأضعاف مما يظهر الى العلن كون رئيس الجمهورية متمسك بعدم تحميل السلك العسكري كلفة تخفيض الموازنة، يقابله حرص الحريري على عدم الاقتراب الى القطاع المصرفي الا بحدود معينة، وما بينهما يقف الوزير جبران باسيل بصفته مسؤول التنسيق والارتباط لدى العهد، لكن وعلى رغم الاستنفار الحاصل فإن الخلاف لا يزال قائما على امور جوهرية تتعلق بكيفية تخفيض النفقات و زيادة الواردات.
كما شكك المصدر المذكور بجدوى حملة مكافحة الفساد الجارية وما أسفر عن اشتباكات متفرقة تضمنت زج الاجهزة الامنية بما يتجاوز مهامها في حفظ الامن الى عمق الادرات العامة، في حين أن الملفات "الدسمة" لا تزال تتحصن بحمايات سياسية يدركها كل من يتعاطى الشأن العام، لعل المؤشر الاساسي هو من ضمن الموازنة نفسها، حيث لا تعتمد على ضبط مزاريب الهدر الحقيقية ما سيسفرالى زيادة العجز المالي بشكل تلقائي على غرار موازنة 2018 .