فاريا و'الاجانب'... حكّموا العقل وإلا..

فاريا و'الاجانب'... حكّموا العقل وإلا..
فاريا و'الاجانب'... حكّموا العقل وإلا..
منذ يوم أمس يتداول الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، صورة للافتة علقت في منطقة فاريا، تمنع فيها البلدية العمال الاجانب من التجول والتواجد هم وعائلاتهم على اوتوستراد البلدة ليلاً نهاراً.

 

اليافطة أصبحت مادة لسجال لبناني، تدخل فيه آخرون، سوريون وغير سوريين، لإبداء رأيهم، وهو كما قلنا سجال لا نقاش، غالباً ما يحيل إلى ما هو خارج الموضوع الأساسي بما يكشف عن ضحالة في الفكر وطريقة مقاربة أي فكرة.

 

صحيح أن بلدية فاريا لم تعلن صراحة أن المقصود هم من يحملون الجنسية السورية، وبالتالي فإن لفظ "أجانب" قد تعني عمالاً وعائلات من جنسيات أخرى عربية وغير عربية، لكن في المبدأ يبدو أن الحساسية التي تحملها بعض المناطق اللبنانية تجاه السوريين واضحة، واعتماد كلمة "أجانب" هو لجعل تحديد الفئة المستهدفة خاضعاً للتأويل.

 

في كل الاحوال، البلدية هي جهة رسمية أعضاؤها منتخبون من أبناء بلدتهم، وتالياً يشتركون في عادات وتقاليد وجو ثقافي له ملامحه المشتركة. وعليه، فإن خطوة البلدية التي على الأرجح ناتجة عن شكوى السكان، يجب فهمها في هذا السياق.

 

إلقاء التهم بالعنصرية فيه شيء من الاجحاف. فالقرار الصادر عن بلدية فاريا ليس صادراً عن أنبياء قطعاً. قد يكون القرار يحمل وجهاً من وجوه العنصرية تجاه كل من هو "غريب" عن المنطقة، لكن أيضاً يجب الوقوف عند الاسباب التي قد تكون دفعت الى اتخاذ هكذا قرار.

 

فإذا كانت الحرب والحاجة والفقر والبطالة دافعاً للبعض للعمل في لبنان، وهو على كل حال ليس "شي محرز" حيث اللبنانيون "يموتون" جوعاً، فإنه لا يبرر حجم التجاوزات التي يقوم بها جزء من النازحين أو غيرهم. هؤلاء ليسوا شياطيناً، لكنهم حتماً ليسوا ملائكة. التعامل مع مسألة النازحين بحاجة إلى تحكيم العقل، وتالياً تثبيت سقف العدالة والانضباط على الجميع وبما يتطلبه القانون.

 

ولعل أحد وجوه المشكلة تكمن أيضاً في ما يشبه الغمز من قنوات التاريخ والمناطق والطائفة التي يقوم بها اللبنانيون، عند نقاشهم في كل ما يتعلق بأمور النازحين. إذ لا يبدو أن هناك خياراً وسطاً. إما مع وإما ضدّ، وهذا بطبيعة الحال مناف للمنطق.

 

فلنلق نظرة سريعة على مواقف البعض ليكون القارىء على بيّنة مما نقول.

 

فقد كتب ناصر ياسين على تويتر قائلاً" مزيج من العنصرية، الطائفية والخوف من الغرباء تلبس لبوس حفظ الأمن والنظام. ممارسات غير قانونية وغير أخلاقية من بعض البلديات وجب وقفها الان"، أما البرت صادق فردّ عليه قائلاً: "بس يتعلمو يقطعو الأوتوستراد بطريقة حضارية مش متل الجمال بالصحراء ، ببطل لبنان عنصري. الله لا يجرب احد من السائقين. في لبنانيي كمان هيك بيقطعوا الطريق بس السوريين كلهم. وشكراً".

 

أما كاتيا أنطون فقد ذهبت بعيداً من دفاعها عن قرار بلدية فاريا، حيث قالت: "روقو علينا.. يلي مش عاجبتو شروط أهالي فاريا يروح على منطقة بتعجبو شروطها، هونيك بيشوف ناس بتشبهو، إنما مش من حق حدا يفرض مظاهر معينة على أي منطقة.. بحجة "#لا_للعنصرية".. إذا فيني إقعد بطرابلس أو بالنبطية وإشرب قنينة بيرة وكون لابسة شورت برمضان.. بيكون خطوة أولى نحو نبذ العنصرية".

 

ما من قضية يتفق عليها اللبنانيون اذن. من يستنكر "عنصرية" البلدية، لا يتطلب كشف هويته أكثر من قراءة اسمه ليصبح تلقائياً في عداد "الخصوم" الذي ينتمون الى مناطق لبنانية أخرى لها ثقافة وعادات وتقاليد مختلفة. أي الغمز من قناة الدين وهذا من بؤسنا على كل حال.

 

كأننا في جبهات متقابلة نتراشق ما نختزنه من عنف ومواقف مسبّقة، في حين أن مسألة النازحين تتطلب تحكيم العقل لا أكثر.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى "الوادي الأخضر": من ذروة المجد إلى شفا الانهيار؟