وألقى عودة كلمة رحب في مستهلها ببطريرك صربيا "في ربوع بيروت، العاصمة اللبنانية، بيروت الأنطاكية"، وقال له: "إن زيارتكم هذه يا صاحب الغبطة، تحمل إلى بيروت وأهلها، بركة عظمى، هي بركة القديس سابا الصربي، الذي ترعرع على مخافة الله، ولم تغره أمجاد العالم، فحمل صليبه وتبع المعلم. القديس سابا الصربي كان، ولا يزال، أبا الإيمان واستقامة الرأي بالنسبة إلى شعبكم المؤمن، الأمر الذي جعل من صربيا منارة للإيمان القويم، ثابتة على صخرة صلدة، لم تتزعزع بهجمات الشرير الذي حاول مرارا وتكرارا نصب أشراكه بشتى الطرق، إلا أنه لم ينجح".
وأضاف: "لقد زار القديس سابا الصربي أنطاكيا، عام 1233، بعد أن تنازل عن العرش الأسقفي، واليوم تزورون أنطاكيا يا صاحب القداسة، وتمرون في أبرشية بيروت المحروسة بالرب، وتعتلون عرش الرسول كوارتس، أحد السبعين، الذي بشر أهل هذه المدينة وهداهم إلى الإيمان القويم، وقد ذكر اسمه في رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية (16: 23). إن غالبية العالم الأرثوذكسي يجهل الرسول كوارتس، إلا أننا نجد في كوسوفو، مقر بطريركيتكم التاريخي، وتحديدا في دير Visoki Decani، جدارية غاية في الجمال، لهذا الرسول الذي نجل، الأمر الذي ننظر إليه كرابط إلهي حيوي يجمع المتفرقات إلى اتحاد واحد، ويضع لميل القلب رباطا لا ينفك".
وتابع: "صاحب الغبطة، إن شعوب العالم أجمع، وشعوب منطقتنا بشكل خاص، تفتقد السلام، وهي عطشى للمحبة. من هنا، تأتي أهمية زيارتكم السلامية، أنتم يا من تحملون السلام اسما (إيريناوس)، للتأكيد على أن الأخوة والمحبة لا تخفت المسافات لهيب نارهما. وطالما نحمل بعضنا بعضا في الصلاة، نكون جميعا مجتمعين في الله أبينا أجمعين، ممجدين ومسبحين إياه بفم واحد وقلب واحد. واليوم، قد تحقق اللقاء الصلاتي بفعل وجودكم بيننا. لقد سمعنا من أبنائنا، ونسمع دائما، الأصداء الإيجابية عن زياراتهم إلى صربيا، التي أصبحوا يعتبرونها محجا مقدسا غنيا بالكنوز الروحية الأرثوذكسية، ونحن نأمل في المقابل أن يعتبر أبناؤكم شرقنا، أنطاكيتنا، حيث دعي التلاميذ مسيحيين أولا، وبيروتنا، محجا مقدسا لهم، للغنى الروحي الموجود في الكنائس والأديرة، وفي قلوب الأبناء المملوءة محبة".
وختم عودة: "باسم أهل بيروت، إكليروسا وشعبا، وباسمي الشخصي، أكرر الترحيب بكم يا صاحب القداسة، وبمن رافقكم في دربكم إلينا، وأرجو أن تقبلوا هديتنا هذه، أيقونة القديس الرسول كوارتس، عربون محبة صادقة، كما نطلب إليكم أن تبقونا في صلواتكم علنا نصعد مع إلهنا القائم من بين الأموات ونعاين المجد الذي لا يزول. كذلك نرحب بغبطة أبينا البطريرك يوحنا وجميع من لبى نداءنا إلى هذه الصلاة للتعبير عن المحبة التي تجمع الإخوة وتزرع الفرح في القلوب".
كاتدرائية القديس جاورجيوس
وبعد استراحة في دار المطرانية ثم زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في قصر بعبدا، زار إيريناوس ويازجي وعودة وأعضاء الوفدين الصربي والأنطاكي، كاتدرائية القديس جاورجيوس في وسط بيروت، حيث اطلعوا على تاريخها الذي يعود إلى القرن الرابع، وأبدى بطريرك الصرب إعجابه بأيقوناتها وجدارياتها، وبالمتحف الجوفي الذي يشهد للحقبات المتوالية من تاريخ الكاتدرائية.
وظهرا أقام عودة على شرف إيريناوس، غداء تكريميا حضره، إلى الضيف، يازجي وأعضاء المجمع الأنطاكي وبطاركة ومطارنة من الكنائس الشقيقة، إضافة إلى الوزراء والنواب الأرثوذكس وسفراء.
وألقى خلال الغداء كلمة بعنوان "هوذا ما أحسن وما أجمل أن يجتمع الإخوة معا" (مز 133: 1)، قال فيها: "نجتمع اليوم لنؤكد على أن الكنيسة، جسد المسيح، هي كيان واحد لا ينقسم، ولا تحده مسافات ولا لغات. نجتمع حول مائدة، لأن تناول الطعام، في عاداتنا الشرقية، يشدد أواصر الأخوة. إلا أن طعامنا الأساسي، النازل من السماء، هو المحبة، التي جاءت بكم يا صاحب القداسة، إلى أنطاكيتنا العظمى، فباركتموها بحضوركم في أرجائها، واليوم أنتم في بيروت، أحد أعمدتها الأساسية. فأهلا وسهلا بكم، وبالوفد المرافق إياكم. فرحنا يكتمل أيضا بحضور غبطة أبينا البطريرك يوحنا العاشر، وإخوتنا المطارنة أعضاء المجمع الأنطاكي المقدس، ولا ننسى أيضا إخوتنا أصحاب الغبطة والسيادة من الكنائس الشقيقة، وأصحاب السعادة السفراء، الذين لبوا دعوة المحبة هذه، إضافة إلى الأحباء المسؤولين الأرثوذكسيين في لبناننا الحبيب، الذين يحاولون إبراز النفس الأرثوذكسي في أي مكان حلوا، في الداخل اللبناني وفي الخارج. لن نطيل الكلام الآن، إذ سوف نجتمع مساء، بعد أن نكون قد تناولنا الطعام الفاني، لكي نصلي معا ونتذوق الطعام الباقي، طعام الصلاة الجماعية اللذيذ".
بعد الغداء عاد إيريناوس إلى دار مطرانية بيروت لاستراحة قصيرة. ثم توجه عند الخامسة إلا ربعا عصرا يرافقه يازجي وعودة وأعضاء الوفدين الصربي والأنطاكي، ولفيف من الكهنة والشمامسة، من دار المطرانية سيرا على الأقدام، تتقدمهم فرق الموسيقى والكشافة، إلى كنيسة القديس نيقولاوس، حيث أقيمت صلاة الشكر عند الساعة الخامسة، وألقى عودة كلمة ترحيبية أهدى بعدها البطريرك الضيف أيقونة القديس كوارتس الرسول، مؤسس كنيسة بيروت وأول أساقفتها، الذي يتميز دير Visoki Decani، من بين كل العالم الأرثوذكسي، والواقع في كوسوفو، المقر التاريخي للبطريركية الصربية، بوجود أيقونة جدارية له فيه. وبعد الصلاة أقيم استقبال رسمي وشعبي حاشد في صالون الكنيسة.