وألقى فوشيه كلمة، جاء فيها: إن التحديات التي تواجهنا كلنا اليوم، على الصعيدين الداخلي والدولي، تزايدت خلال العام المنصرم. كما وأن قيم الانفتاح والاستقبال، التي تتميز بها مبدئيا الديمقراطيات دون سواها، تصطدم اليوم بالنزعة المتنامية نحو التقوقع على الذات. إن هذه القيم تتعرض للحط من شأنها من جانب الشعبويين من كافة المذاهب والمشارب، الذين يريدون أن يقنعوا الشعوب بأنه من الممكن أن يدافع المرء عن مصالحه من دون مراعاة مصالح الآخرين. أما السلام والاستقرار الدوليان، فهما عرضة للتهديد المستمر. وهذا الأمر يعرفه جيدا الشرق الأوسط بما أنه شهد، ولا يزال، العديد من النزاعات. والواقع أن الأمر الوحيد الذي من الممكن أن يمنع الانزلاق المميت نحو دوامة لا نهاية لها هو العودة إلى الحوار وممارسة ضبط النفس. والرئيس ماكرون سيستضيف، من هذا المنظار نفسه، منتدى باريس للسلام، في دورته الثانية، في الخريف المقبل، من أجل التفكير معا، ومع المجتمع المدني بحلول عملية لنتمكن جميعا من مواصلة العيش معا".
وتابع: "في هذا السياق الصعب، تمكن لبنان من الحفاظ على وحدته واستقراره وانفتاحه على العالم. وهذا ليس بالأمر اليسير. وحده احترام سياسة النأي بالنفس يتيح للبنان البقاء بمنأى عن النزاعات، لا سيما النزاع المتأجج منذ أكثر من ثماني سنوات في سوريا المجاورة. وعلى الصعيد الأمني، فإنه منذ بضع سنوات، تمكنت القوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي اللبنانية، التي أحيي استعدادها الدائم في كل لحظة، من الدفاع عن لبنان في وجه أعمال العنف الخارجية والتهديد الإرهابي. أنا لا أنسى الهجوم الذي استهدف مؤخرا مدينة طرابلس. أود هنا أن أحيي ذكرى العسكريين ورجال الشرطة الأربعة الذين دفعوا حياتهم ثمنا لإيقاف هذا الهجوم والدفاع عن المواطنين. لقد كان هذا الاعتداء الشائن محدودا ومحدد الهدف، ويجب ألا يتسبب بنسيان مستوى الأمن المرتفع الذي تتمتع به البلاد منذ العملية، التي شنت في صيف العام 2017 في الجزء الشمالي- الشرقي منها".
على الصعيدين الإنساني والاجتماعي، قال: "لقد استقبل لبنان، بسخاء كبير وبدعم دولي مؤكد، عددا كبيرا جدا من اللاجئين السوريين الذين هربوا من الحرب وأعمال العنف. هم بغالبيتهم يودون العودة إلى بلادهم ويجب ألا يتم ثنيهم عن ذلك. غير أن الأكثرية العظمى منهم لا تفكر بهذه العودة على المدى القريب. لماذا؟ لأنها تخشى، بكل بساطة، ألا يكون أمنها مضمونا في سوريا. إن فرنسا، والدول الأخرى التي تدعم لبنان لمواجهة هذه الأزمة، ترغب هي أيضا في أن يتمكن اللاجئون السوريون من العودة إلى بلادهم. لكننا نعتقد أن مفتاح هذه العودة موجود في دمشق. غير أن دمشق لم تبد في العام الفائت رغبة حقيقية بتسهيل هذا الأمر. لقد رفضت أن تتخذ الحد الأدنى من إجراءات الثقة. أنا لا أخفي عنكم قلقي، وهو أيضا قلق الأسرة الدولية، إزاء خطابات الكراهية والرفض التي تتزايد ضد اللاجئين. فإن أحدا لم يحل أية مشكلة، مهما كانت حساسة، بإذكاء العنف وتأجيج الانقسامات. لبنان يتشرف إذ يجسد الانفتاح. والمجتمع الدولي سيبقى بجانبه، كلما اقتضت الحاجة، لمساعدته على مواصلة مواجهة هذا الوضع الذي يجب ألا يدوم إلى الأبد".
وتابع: "بما أنني أتطرق إلى الإصلاحات، إسمحوا لي أن أعبر لكم عن قناعتي الراسخة التي هي أيضا قناعة السلطات في بلادي، لا بل أعتقد أنه بإمكاني القول أيضا إنها قناعة أصدقاء لبنان جميعهم: إن هذه الإصلاحات هي الطريق الوحيد الذي يجب السير فيه لكي يتطلع لبنان بكل ثقة نحو المستقبل والتنمية والحداثة والفعالية. الطريق الوحيد لكي تتولد لدى الشباب اللبناني، وهو شباب مثقف وموهوب للغاية ويتقن العديد من اللغات، رغبة في البقاء هنا، أو في العودة إلى هنا، ليضع مؤهلاته وطاقاته في خدمة وطنه. الطريق الوحيد لكي تقوم الشركات الأجنبية، وفي طليعتها الشركات الفرنسية، بالاستثمار في هذا البلد. وأخيرا الطريق الوحيد لكي يبعد لبنان نهائيا شبح الأزمة الاقتصادية، التي كثيرا ما أثارت المخاوف، وكثيرا أيضا ما تم تجنبها بأعجوبة".
وتابع: "إن شركاء لبنان، ولا سيما فرنسا، الذين اجتمعوا في باريس في شهر نيسان الماضي في إطار مؤتمر "سيدر"، عبروا أبلغ تعبير عن الدعم الذين هم مستعدون لتقديمه للبنان من أجل مواكبته في طريق الإصلاح. ومقاربة مؤتمر "سيدر" تقوم على الشراكة بين لبنان والمجتمع الدولي. هي شراكة تظللها النوايا الطيبة ولكنها أيضا شراكة متطلبة. فمن أجل وضعها موضع التنفيذ، من الضروري أن تسود أقصى درجات الثقة بين الطرفين. غير أن هذه الثقة لا تتغذى إلا بالإجراءات الملموسة وبالأعمال التي تنم عن تصميم لا يتزعزع. إن الوضع الاقتصادي الحالي، الذي هو وضع صعب، يتطلب خطوات حاسمة من جانب لبنان للتصدي فورا، ومن دون أي انتظار، للمشاكل القديمة والعميقة التي يعاني منها هذا الاقتصاد. إن التسويات وأنصاف التدابير لم تعد متاحة.
كما تعلمون، إن الرئيس ماكرون هو وراء انعقاد مؤتمر "سيدر" كما أنه لم يأل جهدا من أجل إنجاح مؤتمر "روما-2" لدعم القوى الأمنية اللبنانية. ويهمه جدا نجاح هذين المسارين، لا سيما أنهما يشكلان ضمانة للبنان القوي والمزدهر. ونحن نعمل بشكل دؤوب مع السلطات اللبنانية لتحقيق ذلك".
في المجال الأمني، قال: "لفرنسا طموحات عالية من أجل لبنان. كما قلت في مقدمة كلمتي، تلعب قوات الأمن اللبنانية دورا أساسيا للحفاظ على استقرار البلد وللتأكيد على سيادته واستقلاله. قدمت فرنسا في روما عرضا لفتح خط ائتماني بقيمة 400 مليون يورو. الهدف منه هو إنشاء قوة بحرية لبنانية حقيقية قادرة على قيادة ما نسميه عمل الدولة في البحر، وبشكل خاص في المنطقة الاقتصادية الخالصة، التي تحتوي على ثروات لم يتم اكتشافها بعد"، داعيا إلى "وضع اللمسات الأخيرة سريعا على هذا المشروع، الذي يندرج في إطار شراكة قديمة العهد وقائمة على تبادلات متواصلة وعلى تعاون كثيف، على صورة التمرين البحري "الأرزة الزرقاء" الذي نفذ مؤخرا بمشاركة ناقلة المروحيات الفرنسية "Dixmude" والفرقاطة "Guépratte" و1200 عسكري لبناني وفرنسي. في الأمس، رست فرقاطة "Aconit" في مرفأ بيروت. إنها المرة الثامنة والعشرين، منذ 2015، التي تصل فيها سفينة فرنسية إلى لبنان. إنني أحيي وجود عناصر طاقمها وقائدها بيننا هذا المساء".
أضاف: "هذه الأرقام تتحدث عن نفسها، وتعبر عن قوة التعاون في مجال الدفاع مع لبنان - وهو شريك مهم لفرنسا في الجهة الشرقية من المتوسط - إذا ما أضيفت إليها التجهيزات المقدمة وكذلك التعاون الحاصل في مجالات متعددة وحساسة. يجب ألا ننسى المشاركة المهمة لفرنسا في قوات اليونيفيل. إنني أحيي وجود ممثلين عن الكتيبة الفرنسية، التي تضم ما يقارب 700 عنصرا، بيننا هذا المساء. يتمتع جنوب لبنان بدرجة عالية من الاستقرار منذ 13 عاما، أي منذ تعزيز قوات اليونيفيل المنتشرة في المنطقة، مؤازرة للقوات المسلحة اللبنانية، غداة النزاع الدموي، الذي وقع في صيف 2006. اسمحوا لي أن أحيي الدور الحاسم الذي تؤديه قوات اليونيفيل للتخفيف من التوترات، التي تبرز من وقت إلى آخر في المنطقة. نأمل أن يتم إحراز تقدم في الأشهر المقبلة في مسألة ترسيم الحدود البحرية والبرية في الجنوب. سيشكل ذلك رسالة سلام قوية في منطقة تسودها توترات كبيرة.
وأكد أنه "في هذه الأزمنة الدقيقة، على المستويين الاقتصادي والإقليمي، يمكن للبنان الاعتماد على فرنسا. فرنسا هي أيضا تعتمد على لبنان من أجل قيادة المشاريع التي تم إطلاقها معا نحو بر الأمان. علاقتنا الوطيدة والحميمة، إنما تشكل عنصر استقرار وتنمية لا يقدر بأي ثمن".