الصيغة – الرسالة... هذا هو دور لبنان

الصيغة – الرسالة... هذا هو دور لبنان
الصيغة – الرسالة... هذا هو دور لبنان
قد يروق للبعض التبجح والإدعاء بأن دورهم التاريخي غير محصور برقعة جغرافية ضيقة، وأن لا حدود لطموحاتهم، الصغيرة والكبيرة، مع ما لهذه الطموحات من مشروعية تجيزها سنّة الحياة، من دون أن يعني ذلك أن تكون تلك الطموحات على حساب العلاقة مع الآخر، الذي يحق له في المقابل أن تكون له طموحات قد تتخطّى بمفاعيلها طموحات المزايدين.

لعلم الجميع، وأيًّا تكن طموحات البعض وآمالهم وأحلامهم، فإننا جميعًا في لبنان أقليات، وأن أي محاولة للإستقواء على الآخرين، تارة بالخارج وطورًا من خلال فائض القوة، لن تؤدي إلى أكثر مما أدّت إليه تجارب الآخرين في مراحل سابقة، خصوصًا أن من بين الأقليات الأقل عددًا، كما جاء في معلومات "الدولية للمعلومات"، هم المسيحيون الذين يشكّلون ما نسبته ثلاثين في المئة قياسًا إلى الطوائف الأخرى، إلاّ أن ذلك لا يعني أن دورهم أنكفأ وباتوا مهمشين إلى درجة الإمحاء.

ووفق المعلومات المتوافرة لدى كثيرين من أهل الرأي والمشورة فإن الوجود المسيحي في لبنان أكثر من ضرورة، وهذا ما يقوله كبار القوم من المسلمين، الذين فهموا جيدًا ما أراد البابا القديس يوحنا بولس الثاني عندما قال عن لبنان بأنه ليس مجرد بلد عادي، بل هو رسالة. وهذه الرسالة تعني تلك الصيغة الفريدة التي تميز لبنان عن سائر البلدان، التي لم تختبر أهمية تعايش الأديان بين بعضها البعض بمحبة وإلفة وتآخٍ ووئام. فلو كان لبنان مسيحيًا صرفًا لما كان سيزيد على العالم المسيحي أي إضافة، وكذلك العكس أيضًا.

فقيمة لبنان، منذ أن توافق أبناؤه، مرتضين، على ألاّ يكون هواه شرقيًّا مئة في المئة ولا غربيًّا بالكامل، تكمن في هذه الصيغة الحضارية المشعّة كمنارة على شواطىء البحر الأبيض المتوسط وكواحة في صحراء مترامية الأطراف، إذ يجد جميع الذين يحملون إسمه أنهم أحرار في بلد متنوع الطوائف، وهي نعمة تعلو على محاولات البعض في جعلها نقمة.

ووفق ما كان يقوله الكبار من غير المسيحيين أنه لو لم يكن المسيحيون موجودين في لبنان لكان من الضروري أن ينوجدوا، وذلك لما لهم من دور مهم في إثبات مدى القدرة على التعايش المسيحي - الإسلامي في بلد واحد، له ما لأبنائه جميعًا الأهداف والقيم المتقاربة.

فالمسيحي في لبنان غير المسيحي في أقاصي الأرض، وكذلك المسلم. جميعهم يسمعون آذان المؤذن، كما أصوات أجراس الكنائس، ولكل منهم عاداته وتقاليده وطقوسه، التي يتشاركون فيها عن رضى وإقتناع، من دون الأخذ بنظرية العدد، لأن ما يجمعهم أهمّ بكثير مما يمكن أن يفرّقهم.

وعليه، كان توافقهم في الطائف والدستور الجديد الذي نتج عنه، بما يحفظ للجميع حقوقهم وما يفرضه عليهم من واجبات، وإن كان يستحق بعد ما يقارب الثلاثين سنة إدخال بعض التعديلات الطفيفة عليه، بعد تطبيقه بالكامل، وخصوصًا لجهة إلغاء الطائفية السياسية، ووضع لبنان على سكة الدولة المدنية، بما يحفظ طهارة تلك الصيغة الفريدة.

 

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى