المشكلة، كما بات واضحًا، ليست مشكلة مجلس عدلي أو محكمة عسكرية. وهذا ما كشفته نتيجة الإتصالات والمبادرات، التي ماتت في مهدها قبل أن تولد، مما يؤشّر إلى أن لا حل قريباً للأزمة الحكومية التي نشأت على خلفية حادثة البساتين، قبل إيجاد حلول جذرية لما قبل هذه الحادثة ولما أستجدّ من بعدها، بخلفياتها الإقليمية وإنعكاسها على الداخل.
فالأزمة ليست مجرد رمانة (قبرشمون)، بل هي قلوب مليانة بين حارة حريك – المختارة، وصعودًا نحو دمشق. فلو لم يكن ما وراء أكمة العلاقة المتوترة بين "حزب الله" ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط ما وراءها من أزمة ثقة غير محصورة بنقطة محدّدة، لكان الحل – المخرج الذي أقترحه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والقاضي بأن تتابع المحكمة العسكرية عملها في القضية، على أن يتقرر بهدوء، متى تطرح على مجلس الوزراء، وبما لا يجعلها سبباً لتوتر سياسي جديد.
كل شيء كان يشير إلى أن الحل نضج وأن مجلس الوزراء سينعقد الأسبوع المقبل. وصل التفاؤل إلى حد التساؤل عن إمكان عقد جلستين لا واحدة. إلّا أن ذلك لم يحصل وعاد الزمن بدورته إلى عقدة العقد، لأن جنبلاط بصريح العبارة غير مطمئن، وهو الذي يعرف ما يطبخ خارج الحدود، وهو يريد أكثر من ضمانات بعدم تكرار محاولات تطويقه ومحاصرته، وحتى تحجيمه وتحجيم دوره، الذي يتخطى الجبل، خصوصًا أن لا شيء يضمن عدم إحالة حادثة قبرشمون على المجلس العدلي، بإعتبار أن لا أحد "يحلب صافيًا" ولا يساند جنبلاط في هواجسه سوى "القوات اللبنانية"، وهذا ما يطالب به "حزب الله"، الذي يبدو أنه غير مهيأ لإعطاء "بيك المختارة" مثل هكذا ضمانات، وهو سبق له أن أبلغ جميع المعنيين أنه لم يكن جزءاً من المشكلة، وبالتالي لن يكون جزءاً من الحل، لأنه ملتزم بأي حل يوافق عليه النائب طلال أرسلان.
ووفق المحيطين بأجواء المختارة فإن "بيكها" مقتنع بأن "حزب الله" يستهدفه ويستقصده، بالجملة وبالمفرق، وأن مرحلة ربط النزاع قد أصبحت من الماضي، أقله بالنسبة إلى حارة حريك، وهذا ما تحدّث عنه الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله، في آخر إطلالة له.
وما ولّد هذه القناعة لدى جنبلاط أنه ربط الأمور بعضها ببعض التي بدأت
مع الأحداث السورية وانخراط الحزب فيها، وأن قانون الانتخاب كان بمثابة الضربة الأولى التي وجّهها إليه "حزب الله"، لتأتي مسألة مزارع شبعا وبعدها معمل آل فتوش في عين دارة الذي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير.
فإما أن يحصل جنبلاط على ضمانات من "حزب الله" بالتحديد وإعتبار توازنات الجبل تعني أهله فقط وإلاّ لا حلول في الأفق المنظور. وعليه فإن الحكومة ستبقى معلقة على صليب "قبرشمون".