ماذا ما بعد المصارحة والمصالحة؟

ماذا ما بعد المصارحة والمصالحة؟
ماذا ما بعد المصارحة والمصالحة؟

حتى الآن، وعلى رغم ما تركته مصالحة الجبل بنسختها الدرزية من أجواء إيجابية أنعكست على مدى الوطن كله، لم يفهم اللبنانيون كيف تمت هذه المصالحة التي أصبحت واقعًا، وبسحر ساحر، ولم يستوعبوا أيضًا لماذا لم تتم قبل ذلك بكثير، ولماذا بقي مصير الوطن معّلقًا في الهواء طوال هذه المدّة؟

كل هذه الأسئلة وغيرها الكثير ستبقى على الأرجح من دون أجوبة شافية ووافية، وإن كان جواب المسؤولين عن هذه التساؤلات واحدًا، وهو أن المهم أن المصالحة قد تمّت أخيرًا ولم يعد مجديًا السؤال عن الأسباب التي سرّعت في إتمام هذه المصالحة، التي أنهت أزمة حكومية لو أستمرّت أكثر من ذلك لكان لبنان ذاهب لا محالة إلى المجهول، وهذا كان المحفّز الأساسي لتسريع العمل من أجل إتمام المصالحة، وذلك قبل أن تفلت الأمور إلى درجة تصبح معها الحلول الممكنة مستحيلة.

لا شك في أن بيان السفارة الأميركية، الذي صيغ بدقة في وزارة الخارجية الأميركية في واشنطن وليس في لبنان، كان من بين الدوافع المهمة التي أملت على المسؤولين ممارسة أقصى أنواع الضغط المعنوي على طرفي النزاع، أي وليد جنبلاط وطلال إرسلان، للقبول بالجلوس معًا للتصارح ومن ثم التصالح، على أن تأخذ حادثة قبرشمون طريقها القويم والصحيح عبر القضاء، الذي يستكمل تحقيقاته توصلًا إلى تحديد المسؤوليات، وبالتالي تحديد المسار الذي يجب أن تسلكه هذه القضية، التي أخذت البلاد طيلة أربعين يومًا أسيرة المواقف.

وعلى رغم كل ذلك لا يزال السؤال مشروعًا وحقًّا من حقوق الناس لمعرفة الأسباب التي حالت دون إنجاز هذا الحل – التسوية قبل هذا الوقت، وقبل صدور البيان الأميركي.

فإذا كان السبب هو شعور المسؤولين بأن الوضع الإقتصادي لم يعد يحتمل كل هذا "الدلع" السياسي، فهو أمر غير مبرّر على الإطلاق، وإن كان المنطق يقول بأن الأمور التي تأتي متأخرة خيرٌ من ألاّ تأتي أبدًا، لكن المنطق يقول أن المصالحة التي تمّت، والتي سبقتها مصارحة لم تُعرف تفاصيلها بعد، إن تمّت لمجرد أن البيان الأميركي فيه أكثر من تنبيه وتحذير ولمجرد أن الوضع المالي دقيق بل وخطير، ولم تأتِ عن قناعة بأن المشاكل الداخلية لن تؤدي إلاّ إلى مزيد من التعقيدات، فعبثًا يتعب البناؤون، لأن تعبهم سيضيع عند أول ضربة كفّ، سواء في الجبل أو في غير منطقة لبنانية معرّضة لأن يحصل فيها ما حصل في الجبل، إن لم تكن النوايا صافية.

فالمصارحة التي تمت في اللقاء الخماسي في بعبدا يجب أن تعمّم على مستوى الوطن وبين جميع مكوناته، وذلك من أجل وضع حد لكل الإلتباسات والهواجس مرّة أخيرة، ولوضع النقاط على الحروف لكي يتمكّن جميع اللبنانيين من القول: نقطة على السطر، وأن لا عودة إلى الماضي الحزين ومآسيه، والتطلع إلى المستقبل بتفاؤل وإيجابية.

 

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى