فما قاله نصرالله بهذا الخصوص يستأهل التوقف عنده والإضاءة على ما يعانيه أهالي المنطقة من حرمان مزمن ومن تجاهل الدولة لهذه المعاناة، وهو أمر ينطبق أيضًا على طرابلس وما تعانيه من إجحاف، خصوصًا أنها العاصمة الثانية، التي تحرم من الحدّ الأدنى من إهتمام الدولة، سواء في التعيينات أو في المشاريع الإصلاحية والتنموية. وكذلك منطقة عكار، التي تعيش الحرمان بكل تفاصيله وبكل أشكاله، حتى يخال للناظر إلى أحوال الدولة بأن هذه المنطقة المحرومة ليست جزءًا من الدولة اللبنانية.
وهذا الأمر ينطبق أيضًا، وهو قاسم مشترك، على بعض القرى في جرود البترون وكسروان وجبيل والمتن وعاليه والشوف ومناطق واسعة في الجنوب، إذ يلاحظ المتتبعون مدى الإهمال اللاحق بهذه المناطق من قبل الدولة، التي لا ترى سوى بعين واحدة، على رغم المشاكل التي تعيشها العاصمة بيروت وضواحيها الجنوبية والشمالية، أقله على صعيد النفايات، التي تشكّل همًّا يضاف إلى الهموم الأخرى.
فإذا كان ثمة إعتصام، وهذا ما لوح به نصرالله، فيجب أن يكون شاملًا وغير محصور بمنطقة دون أخرى، لأن الحرمان يطاولها كلها على حدّ سواء، ومن دون إستثناء، مع ما يعنيه هذا الإعتصام، الذي يرادف في حيثياته "العصيان المدني"، وذلك في خطوة ضاغطة على الحكومة، التي تحصر همّها بناحية واحدة دون سائر المشاكل الأخرى، فضلًا عن الهمّ الإقتصادي الذي يقضّ مضاجع المسؤولين، الذين يجدون أنفسهم محاصرين بتصنيفات الـ CCC، وهي تصنيفات تجعل المستثمر العربي والأجنبي يجبن وينأى بنفسه عن خوض غمار مغامرة الإستثمار في بلد تصنيفه متدٍن.
وفي تعليق على كلام نصرالله عن منطقتي بعلبك والهرمل رأى بعض المراقبين فيه نوعًا من "رفع العشرة" بعدما وصلت الأمور فيهما إلى مستوى متقدم من الحرمان ومن التفلت الأمني، والذي يفوق قدرة "حزب الله" على ضبطها، بعد التململ الشعبي الذي سبق الإنتخابات النيابية الأخيرة، ما جعل نائب "القوات اللبنانية انطوان حبشي من تسجيل خرق غير مسبوق.
وتساءل هؤلاء المراقبون: هل يكفي توصيف الوضع، الذي يعرفه القاصي والداني، وهل يفيد الإعتصام في تحريك همّة الدولة، وهل هذا يعفي القوى السياسية من مسؤولية ما يحصل، وهو نتيجة تراكمات لسنوات طويلة من الحرمان؟