حضر القداس وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش ممثلا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، الرئيس ميشال سليمان، ممثل وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل النائب آلان عون، النواب، جان طالوزيان، نعمت أفرام وجورج عقيص، الوزيران السابقان سليم الصايغ وسجعان قزي، رئيس مجلس القضاء الأعلى جان فهد، ممثلون لقائد الجيش وقادة الأجهزة الأمنية، المدير العام للقصر الجمهوري الدكتور أنطوان شقير، المديرة العامة للنفط أورور الفغالي، مديرة "الوكالة الوطنية للاعلام" لور سليمان صعب، السفير خليل كرم، نائبة رئيس المؤسسة المارونية للانتشار روز شويري، منسق العمل بين المؤسسات المارونية أنطوان ازعور، قائمقام البترون روجيه طوبيا، رئيس اتحاد بلديات البترون مارسيلينو الحرك وحشد من الشخصيات والمؤمنين.
العظة
وألقى الراعي عظة بعنوان "الحب الذي وقع في الأرض الجيدة أثمر مئة ضعف" (لو8:8)، استهلها بالقول: "يدعونا الرب يسوع في مثل إنجيل اليوم "لنسمع كلمة الله بقلب صالح، ونحفظها ونثبت فنثمر" (لو15:8)؛ ولنتجنب ثلاث حالات عندما نسمع كلمة الله: الإهمال المشبه بجانب الطريق حيث يقع الحب، والسطحية المشبهة بالصخر فاقد الرطوبة، وإعطاء الأولوية لهموم الحياة المشبهة بالشوك. فلأن كلام الله يصدر من قلبه وحبه، ينبغي أن نسمعه ونقبله بحب في قلوبنا لكي يثمر فينا".
وعن المناسبة قال: "يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية، مفتتحين بها سنة المكرم البطريرك الياس الحويك، وهي السنة التحضيرية لإحياء المئوية الأولى لإعلان دولة لبنان الكبير. وقد دعت إلى هذا الاحتفال جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات، بالتنسيق مع اللجنة البطريركية المعنية بإعداد الاحتفال بالمئوية، وذلك كواجب وفاء لمؤسسهن الكبير البطريرك الياس الحويك، ولاسيما بمناسبة إعلانه مكرما في شهر حزيران الماضي، من قبل قداسة البابا فرنسيس. هذا الإعلان يعني أنه عاش ببطولة الفضائل الإلهية والمسيحية والإنسانية. وبه ختمت الكنيسة تحقيقها في مرحلته الأولى التي بدأت في كانون الأول 2010. والآن نصلي كي يظهر الله قداسته وترفعه الكنيسة على المذابح باجتراح أعجوبة تجري بشفاعته".
وهنأ "جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات بشخص رئيستها العامة الأم ماري أنطوانيت سعاده ومجلس المشيرات"، منوها "بما بذلن من جهد وتضحيات خلال مسيرة التحقيق في أبرشية البترون أولا، ثم في مجمع دعاوى القديسين بروما".
واستطرد: "ويسعدني أيضا أن أحييكم وأهنئكم جميعا، لأن المكرم البطريرك الياس الحويك هو راع مميز غيور لكنيستنا، وعميد لبنان، وحامي كيانه، وحامل مجده بجدارة واستحقاق. فباستعراض مراحل حياته، نرى أنه شكل خاتمة سعيدة لمساعي أسلافه البطاركة، عبر مسار طويل بدأ مع القديس يوحنا مارون، وبلغ ذروته مع المكرم الحويك، عندما ترأس الوفد اللبناني الرسمي إلى مؤتمر الصلح في فرساي سنة 1919، وطالب "بدولة لبنان الكبير" بحيث تستعيد كل الأراضي التي سلختها عنه السلطة العثمانية. فكان "إعلان دولة لبنان الكبير" في أول أيلول 1920، بحضوره في قصر الصنوبر، على لسان الجنرال غورو، ممثل الدولة الفرنسية".
أضاف: "كل سر الياس الحويك أنه قبل في قلبه كلمة الله منذ طفولته. فأنارت دروب حياته من قريته المتواضعة حلتا- البترون، إلى مدرسة دير مار يوحنا مارون كفرحي، فإلى المدرسة الإكليريكية في غزير، ومنها إلى معهد إنتشار الإيمان في روما، حيث أنهى دراساته العليا في اللاهوت والحقوق الكنسية، متوجا إياها بشهادة الملفنة. والكلمة إياها أنارت وعضدت وشجعت رسالته المثلثة: الكهنوتية لتسع عشرة سنة، والأسقفية لعشر سنوات، والبطريركية لاثنتين وثلاثين سنة".
وتابع: "أثمرت كلمة الله في قلب الحويك وعقله وكل شخصه. فكان لامعا في الفضيلة والعلم والتقوى وروح الصلاة والشجاعة والصراحة واللطف والبساطة والجرأة. وعرف كيف يغرف من ينابيع الروح في روما. ولما عاد إلى لبنان، استدعاه البطريرك الكبير بولس مسعد إلى الكرسي البطريركي سنة 1872، وأسند إليه أمانة سره فظهرت كفاءته وأمانته ومقدرته العلمية والإدارية. وقبيل وفاته رقاه إلى الدرجة الأسقفية نائبا بطريركيا في 14 كانون الأول 1889. وكما كان الذراع الأيمن للبطريرك بولس مسعد، كان الذراع الأيمن والفاعل والناجح للبطريرك يوحنا الحاج. وقد خلفه بعد عشر سنوات، على السدة البطريركية بالإجماع منذ اليوم الأول لإلتئام المجمع الانتخابي، وهو بعمر ست وخمسين سنة".
وأردف: "كم اختبر البطريرك الياس الحويك في مراحل حياته صلاة المزمور 119: "كلمتك مصباح لخطاي ونور لسبيلي"؟ وكان يسمي هذه الكلمة الموجهة لكل ما عاشه واختبره "بالعناية الإلهية"، حتى سمي هو "برجل العناية".
بفضل ثقافته الرومانية وما اكتسب من خبرة ومعرفة للناس على تنوعهم خلال سنوات وجوده في الكرسي البطريركي، كأمين سر البطريرك وكنائب بطريركي، قاد سفينة كنيستنا المارونية كربان ماهر حكيم على مدى اثنتين وثلاثين سنة. فكان عهده عهدها الذهبي على الرغم من كل صعوباتها. وكانت سنوات بطريركيته مسيرة متصاعدة نحو القداسة".
واستطرد مؤكدا: "أجل، لقد أثمرت حبة كلمة الله في قلبه مئة ضعف. ففي سنة 1895 أسس "جمعية راهبات العائلة المقدسة المارونيات" لتربية الفتيات، أمهات المستقبل، والضامنات لقدسية العائلة. وإذ كان يعتبر خسارة جسيمة إقفال المدرسة المارونية في روما التي أنشأها البابا غريغوريوس سنة 1584 لتنشئة الإكليروس الماروني، باحتلال جنود نابوليون وتأميمها، إنتدبه البطريرك يوحنا الحاج سنة 1890 لتأسيس معهد ماروني حبري جديد في روما، فكان كذلك. ثم توجه إلى فرنسا ونال من حكومتها ثماني منح جامعية للإكليريكيين الموارنة في معهد Saint Sulpice المشهور، ومعبدا في قصر مجلس الشيوخ الحالي، ليقيم فيها الموارنة شعائرهم الدينية، قبل الحصول على فواييه للطلاب وكنيسة سيدة لبنان في باريس في الثلاثينات. وأم القدس واشترى دارة لاستقبال الحجاج، معروفة بإسم "بيت مارون". كما تملك فوايه للشبيبة مع كنيسة سيدة لبنان في مرسيليا بفرنسا. هذا فضلا عن المهمات الكبيرة التي كان ينتدبه إليها البطريرك يوحنا الحاج".
وأضاف: "أما بطريركيته فقد عرفت أحداثا خطيرة وكبيرة، واجهها بالصلاة والاتكال على العناية الالهية وعلى امنا مريم العذراء سيدة لبنان وهو الذي انشأ معبد حريصا مع السفارة البابوية سنة 1904 في ذكرى خمسين سنة على عقيدة الحبل بلا دنس، وترك صلاة ما زلنا نصليها ونرتلها حتى يومنا هذا. في عهده كانت الحرب العالمية الأولى والمجاعة التي حصدت أكثر من ثلث شعبنا. ففتح أبواب الكرسي البطريركي، وأمر بفتح أبواب الأديار بوجه الفقراء والجياع. وكان سقوط السلطنة العثمانية وتقسيمها إلى دول. فكان المناضل السباق من أجل إعلان دولة لبنان الكبير: رئس الوفد اللبناني إلى مؤتمر الصلح في فرساي، وقدم مذكرة بإسم الشعب اللبناني في تموز 1919، ضمنها أربعة مطالب: "إستقلال لبنان، وإعادة الأراضي التي تشكل حدوده الطبيعية، والتي سلخت عنه بطريقة تعسفية، ووضع عقوبات ضد السلطات التركية والألمانية وإلزامها بالتعويضات العادلة عن الخسائر الكبيرة التي سببتها للبنان وشعبه، وجعل لبنان مرحليا تحت الانتداب الفرنسي". فكان إعلان دولة لبنان الكبير في أول أيلول 1920، كما رأينا".
وقال: "كان هم البطريرك أن يكون شعب لبنان، بمسيحييه ومسلميه، عائلة واحدة قائمة على التعددية الدينية والثقافية لا العدد، في دولة يرعاها القانون والمؤسسات في إطار العيش الواحد، على قاعدة الانتماء الوطني، لا الطائفي أو المذهبي. وكان فضله أنه أسس أول كيان دستوري معترف به عربيا ودوليا، يثبت الوجود اللبناني المستقل والحر والآمن على كامل الأراضي اللبنانية، في إطار صيغة تعايش متساو مسيحي- إسلامي، ضمن نظام ديمقراطي برلماني ليبرالي يقر جميع الحريات المدنية العامة".
وختم: "في ذكرى الحويك، وفي هذه المئوية لاعلان دولة لبنان الكبير، يجدر بنا ان نعود جميعا، شعبا ومسؤولين ومؤسسات في الدولة وسياسيين الى الروح التي قادت الحويك، وأن نعود إلى الأسس التي وضعها لهذا الوطن. فلتكن المئوية وقفة ضمير ومراجعة للذات بعد مئة سنة، اين كنا واين نحن.
وكان على البطريرك أن يعمل جاهدا طيلة إحدى عشرة سنة من أجل تثبيت خصائص لبنان هذه فأسلم بعدها الروح مثل سلفه ليلة عيد الميلاد سنة 1931. فأتت علامة من السماء أن موته على أرضنا ميلاده في السماء. "فالإله صار إنسانا ليؤله الإنسان"، على ما ردد القديس أمبروسيوس. ومعه نرفع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".