اقتراح عدوان... هل من استنسابية؟

اقتراح عدوان... هل من استنسابية؟
اقتراح عدوان... هل من استنسابية؟
بتاريخ 19 آب 2019، قال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إن "التعيينات ستناقش في وقتها والآلية وضعت في ظرف محدد( آلية الوزير محمد فنيش)، لكنها ليست دستوراً وإذا أرادوا التزامها فلتتحول قانوناً، وعندها بيمشي الحال" ،مؤكداً تمسكه بتطبيق الطائف.

إن التجربة اللبنانية بموضوع التعيينات على مدى السنوات المتعاقبة لا يمكن وصفها بأنها ناجحة ومشجعة لجهة تطبيق معايير الكفاءة والاختصاص أو لجهة ممارسة هؤلاء لوظائفهم من حيث استقلاليتهم، هذا ما ورد في الأسباب الموجبة لاقتراح قانون معجل مكرر تقدم به النائب جورج عدوان ويرمي إلى تحديد آلية التعيين في الفئة الأولى في الإدارات العامة، بيد أن صفة العجلة على الاقتراح المذكور سقطت أمس في الجلسة العامة، فتمت احالته الى لجنة الادارة والعدل لدرسه خلال مهلة شهر.


إن الاتفاق على آلية لإجراء التعيينات قد لا يكون معقداً إذا توافرت النيات، خاصة وأن هناك آلية أقرت في مجلس الوزراء في العام 2010 بموافقة المكونات الحكومية آنذاك، وعمل بها في تعيين أكثر من 40 وظيفة ومركز أبرزها مدير عام المناقصات، رئيس مجلس ادارة المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، مدير عام الصناعة.

يقوم اقتراح عدوان على تكريس آلية التعيينات في وظائف الفئة الأولى في الملاك الإداري العام وفي المراكز العليا في المؤسسات العامة، تأخذ بعين الاعتبار الآلية السابقة بعد إعادة تقييمها وسد الثغرات التي واجهت تطبيقها.

بالنسبة لعدوان يجب إعطاء الأفضلية لموظفي الفئة الثانية في الملاك الإداري العام لملء شواغر الفئة الأولى في الادارات العامة وعلى فتح باب الترشيح لجميع المؤهلين من داخل وخارج الملاك في المراكز الشاغرة بالنسبة للمؤسسات العامة في وظائفها القيادية وذلك بعد تحديد المواصفات وشروط التعيين بصورة موضوعية وشفافة، وبعد إجراء مقابلات شفهية توضع بنتيجتها اسماء ثلاثة مرشحين مقبولين يعود لمجلس الوزراء أمر اختيار واحد منهم.

وليس بعيداً عن "الاقتراح العدواني"، فإن آلية الوزير فنيش نصت على ضرورة التزام من مجلس الوزراء أن يكون هناك ضوابط قبل أن يمارس الوزير صلاحيته الدستورية، لأنها حق دستوري، وله أن يقترح في الوزارة التي يتولاها أن يملأ الشغور في وظائف الفئة الأولى. ففي تعيينات أعضاء مجالس الإدارة في المؤسسات العامة او ما يشابهها، إذا كان الاعضاء متفرغين ويعتبرون بمثابة موظفي الفئة الاولى فهم بحاجة الى موافقة ثلثي مجلس الوزراء، ويخضعون للالية نفسها المتبعة لموظفي الفئة الاولى.

وسط ما تقدم ، أبدى وزراء ونواب تكتل "الجمهورية القوية" تعجباً من تماشي نواب كتلة "الوفاء للمقاومة" مع تكتل "لبنان القوي" وعدم التصويت على صفة العجلة للاقتراح، علما أن نواب "التحرير والتنمية" صوتوا برفع الأيدي لصالح الاقتراح إلى جانب "اللقاء الديمقراطي" و"الكتائب" والمستقلين. بيد أن "حزب الله"، وبحسب ما أكدت مصادره النيابية لـ"لبنان24" يؤيد البحث في الالية، وهو في المبدأ لا يعترض على اقتراح عدوان وأنه من أكثر القوى تمسكاً بضرورة اعتماد آلية في التعيينات في مجلس الوزراء، خاصة وأن فنيش هو الذي اقترح الآلية المعمول بها راهناً عندما كان وزيراً للتنمية الادارية في العام 2010. وتقول المصادر نفسها "إن موقف وزراء "حزب الله" في جلسات الحكومة كان ولا يزال يصب دائماً في خانة رفض التخلي عن الآلية وضد ترك الموضوع في عهدة الوزير وإدارته المطلقة. وتؤكد المصادر أن موقف "حزب الله" أمس لم يكن ضد الاقتراح فهو يعبر فقط عن عدم الموافقة على صفة العجلة، لأن الموضوع دقيق جداً ويحتاج إلى دراسة متأنية.

ومع ذلك، لا تخفي مصادر متابعة أن "حزب الله" تصرف أمس سياسياً وفقا لما يمليه عليه تفاهمه مع "التيار الوطني الحر"، فهو بالشكل لن يتركه وحيداً اقتناعاً منه أن الآلية سوف تشبع درساً في "الإدارة والعدل"، خاصة وأنه يواصل تأكيد ضرورة تعزيز مجلس الخدمة المدنية في ملف التوظيف، في مقابل مواصلة نواب تكتل "لبنان القوي" وقياديين في "التيار الوطني الحر" التشكيك بمجلس الخدمة ونتائجه.

إن تمسك "الجمهورية القوية" بآلية عمل مجلس الخدمة المدنية بالتعاون مع الوزير المختص ووزارة الدولة لشؤون التنمية الادارية لملء المراكز الشاغرة في الفئة الاولى في الملاك الاداري العام، ترد عليه مصادر"لبنان القوي" بالقول إن اقتراح القوات هو سياسي بامتياز، وتكتفي بدعوتها إلى إعادة قراءة المادة 66 من الدستور التي تنص على أن الوزير يناط به تطبيق الأنظمة والقوانين وكل ما يتعلق بالامور العائدة إلى إدارته وما خص به، والمادة 65 التي تقول إن مجلس الوزراء يحتاج إلى موافقة ثلثي عدد أعضائه المحدد في مرسوم تشكيل الحكومة في تعيين موظفي الفئة الاولى وما يعادلها. وتسأل المصادر العونية، لو أخذت "القوات" ما تريده من تعيينات بالتفاهم معنا هل كانت لتقدم اقتراحا كهذا... لتجيب بالقول: بالتأكيد لا.

لم يأت اقتراح عدوان على ذكر دور مجلس الخدمة المدنية في تعيين موظفي الفئة الثانية والثالثة والرابعة، إنما اقتصر فقط على موظفي الفئة الأولى، والأمر لم يكن مستغرباً وفق المراقبين؛ فنواب الكتل المسيحية المنضوية تحت لواء "التيار الوطني الحر" و"الكتائب" و"القوات" يتبنون الموقف نفسه القائم على رفض تعيين الناجحين في مباريات مجلس الخدمة المدنية، سواء لجهة المحاسبين أو لجهة المراقبين الجويين أو لجهة مأموري الأحراج وغيرهم، بذريعة غياب التوازن الطائفي.

وفي هذا السياق، يشدد الحزب الاشتراكي، بحسب مصادره النيابية لـ"لبنان24" على أهمية وضع آلية تحفظ وحدة المعايير في التعيينات كافة من دون استثناء، بعيداً عن مزاجية هذا الفريق أو ذاك، خاصة وأن المشكلة باتت واضحة وتتمثل بالمحاصصة والطائفية، ولذلك يجب أن تتمتع أجهزة الرقابة بدور أوسع وتعطى هامش التحرك، فمجلس الخدمة المدنية هو من المؤسسات الضامنة للعدالة بين اللبنانيين بعيدا عن مذاهبهم وطوائفهم، معتبرة أن اجتماعات لجنة الإدارة ستكون فرصة للحوار حول الاقتراح وما يمكن أن يضاف إليه من تعديلات. وعلى الخط عينه، فإن كتلة التحرير والتنمية لطالما أكدت أهمية اعتماد آلية كي تكون التعيينات وفق الدستور بعيدة من الاستنسابية والمحاصصة وتأتي بالشخص الكفوء في المكان المناسب، ومصادرها ترى ان اقتراح عدوان يحتاج إلى صياغة أوضح، وهذا ما سيعمل عليه في الادارة والعدل.

قد يجد اقتراح "القوات" حيال آلية تعيين موظفي الفئة الاولى ترجمة له على أرض الواقع، وربما لا؛ بيد أن بعض الأوساط تضمه إلى لائحة الاقتراحات والقرارات الاستنسابية، وتدعو القوى السياسية التي صوتت لصالحه في الجلسة العامة، إلى تصويب مسار النقاش في اجتماعات لجنة الادارةمن أجل قطع الطريق على أي اجتهاد قد يطال تعيينات من هنا ويستثني تعيينات من هناك.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى