أخبار عاجلة
واشنطن تمنع شراء هواوي لرقاقات كوالكوم وإنتل -
ميتا توسع خدمة التحقق المدفوعة للشركات -

أزمة الهوية العونية

أزمة الهوية العونية
أزمة الهوية العونية
بكثير من المبالغة ردّ تيار "المستقبل" على هجوم النائب زياد أسود عبر تحميله مسؤولية التدهور الإقتصادي للرئيس رفيق الحريري إذ تم إلغاء اللقاء الحزبي مع رئيس "التيار الوطني الحرّ" جبران باسيل. فـ"التيار الأزرق" يحاول التصالح مع نفسه دائماً وإقناع الجماهير أنه ما  زال تيار الـ2009 القوي المتمسكّ بالثوابت، إذ إن أحداً في هذا التيار لم "يبلع" حتى اليوم التسوية الرئاسية. ومن هنا جاءت فكرة اللقاء مع باسيل في الأصل لإقناع القاعدة المستقبلية أن التسوية لم تكن نكسة، وإن باسيل وتياره جاؤوا إلى منتصف الطريق، لكن غاب عن المنظمين أن العونيين أنفسهم لا يصدقون هذه القصة، ويتعاطعون مع التسويةعلى  أنها نصرٌ كامل.

المصالحة مع الذات ومع الخطاب السياسي - الإعلامي هي مشكلة عونية أيضاً، إذ إن العونيين الذين إنتقلوا فجأة من معاداة "حزب الله" منذ العام 1990 إلى العام 2005 وجدوا أنفسهم أشدّ حلفائه عام 2006، وكادوا يذوبون فيه شعبياً لولا الشحنة المعنوية التي أعادتهم إلى ذواتهم الحزبية بوصول الرئيس ميشال عون إلى بعبدا وبوصول شخصية إشكالية تهوى الإشتباكات الإعلامية إلى رئاسة "التيار"، فإعيد شدّ العصب لإكمال الطريق بمن تبقّى من عونيين.

حلّ مشكلة العصب والتماسك التي يعمل عليها باسيل بجهد قلّ نظيره، هي جزء من المشكلة، لكن المشكلة الأهم كانت ضياع القاعدة والكوادر والمسؤولين حول الموقف السياسي العام، وحول التحالفات والخطابات والإشكالات.

في نهاية التسعينات كتب الرئيس ميشال عون في إحدى مقالاته التي كان ينشرها لمخاطبة قاعدته الشعبية المنقطعة عنه قائلاً: "الحريرية مشنقة إقطعوها قبل أن تؤرجحكم"، يومها قصد عون سياسات الحريري الإقتصادية، وإستمر في هذا الخطاب بعد عودته ليصدر "التيار" كتابه الشهير "الإبراء المستحيل"، لكن العونيين كانوا أمام تسوية أدت إلى سحب هذا الكتاب والبدء بتحالف مع الحريري.

هذا التحول الأول الذي لم يأتِ تدريجياً، بل سقط على رؤوس العونيين بقرار مذيّل بضرورات الوصول إلى بعبدا، وهذا الهدف تسقط من أجله بعض الثوابت التكتيكية. فالعائد إلى قصر الشعب "سيبني وطناً" و"يعيد أملاً"، بحسب الخطاب العوني، ولهذا حصل تنازل آخر، مع "القوات" فأصبح العدو اللدود لعون حليفاً كاد للحظة أن يتفوق في أهميته على "حزب الله".

ضاع العونيون مجدداً، وبدأوا حملة "أوعى خيكّ" مبررين الإنقلاب، وأن ما سبق من خلافات هو الإستثناء والخطأ والخطيئة، و"ما بيصحّ إلا الصحيح" عبر إنهاء الخلاف في الشارع المسيحي، ومن لم يقتنع لم يعترض من أجل الهدف الأسمى.

بعد أشهر عاد الإشتباك السياسي مع "القوات" فأحتار العونيون، فشدد النواب والقيادات على "تفاهم معراب" وهاجموا "القوات"، ونحن هنا لا نحمل مسؤولية الخلاف لـ"التيار"، لكن حتى اليوم لا يعرف أنصار الوزير جبران باسيل ما إذا كان إتفاق معراب لا يزال سارياً، وما إذا كان مصالحة أو تسوية أم مجردّ لقاء مرحلي. لا شيء واضح.

الضياع العوني تجلى في الإنتخابات، تحالفوا مع "المستقبل" وتخاصموا مع "حزب الله"، "الله لا يضيّع حدا"، كيف نقوم بالحملة الإنتخابية ونحن نتفق في السياسة مع من نواجههم في الصناديق، ونختلف مع من نتحالف، بعد أشهر إعترف باسيل في جلساته الداخلية أنه أخطأ في تحالفاته في بعض الأقضية.
لكن التسوية الرئاسية مستمرة.
هذه العبارة التي تتردد مع كل خلاف مع "المستقبل"، كان لا بدّ من الإستغناء عنها، "فإذا كانت مستمرة، شو في لزوم نضل نقولها"، بمصالحة حقيقية مع القاعدة الزرقاء لتثبيت الثابت والتأكيد بأن اللقاء بين الطرفين ليس مصلحياً بل نابع من أسس حقيقية. قبل اللقاء خرج النائب زياد أسود ليحمل الحريري الأب، سياسته الإقتصادية طبعاً، مسؤولية كل الأزمات الإقتصادية في لبنان، وهذا هو الخطاب العوني في الأصل، أي أن أسود لم يخرج عن الثوابت، غير أنه خرج عن الديبلوماسية في مراعاة حليفه في السلطة بغية تبرير الإنهيار.

هنا ضاع العونيون مجدداً، مرّة في حقيقة خطابهم وموقفهم من الحريري و"المستقبل"، ومرّة ما إذا كان العائد إلى قصر الشعب "سيبني وطناً" و"يعيد أملاً" لأنه على رأس العهد القوي، أم أنه غير قادر على محو السياسات "الخاطئة" وتالياً إنقاذ الوضع.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى