أما السلطة، وليس بالضرورة السلطة الحالية، تنحو طبيعيًا نحو "تدجين الإعلام" وتطويعه بما يتناسب مع سياستها، إذ أنها غالبًا ما تكون غير قادرة على "هضم" الحرية المطلقة وما يتمتع به الإعلام من هامش واسع من هذه الحرية التي تسمح للإعلاميين التعبير عن آرائهم من دون أن يحكمهم هاجس الملاحقة القانونية.
فما حصل موخرًا لم يكن للإعلام دور سلبي فيه، وهو الحريص على الأمان الإجتماعي بالقدر نفسه الذي لدى السلطة، بل كان ينقل بأمانة وجع الناس وتململهم من الحال التي وصلت إليها الأوضاع الإقتصادية في البلد، وهو كان بمثابة المرآة التي تنقل صورة عن واقع الشارع الغاضب.
فالإعلام ليس فشّة خلق أو مكسر عصا، وهو لم يقم يومًا بكسر مزراب العين، وهو بالتالي غير مسؤول عمّا آلت إليه الأوضاع المأزومة التي هي نتيجة تراكمات وسياسات خاطئة وإهمال وتلكوء أدّت في المحصلة إلى ما أدّت إليه.
فإذا كان ثمة محاسبة فيجب أن تطاول أولًا وأخيرًا المسؤول عن مسبّب هذه الأزمات، وهو ليس الإعلام بطبيعة الحال، بل من تحمّل المسؤولية منذ عقود، لأن الأزمة التي تشهدها البلاد ليست بنت ساعتها، بل تعود إلى الزمن الذي إنعدمت فيه المساءلة والمحاسبة، وإلى زمن الخطوط الحمراء، التي كان بعض من أهل السلطة يتحصّنون وراءها لتبرير ما يقومون به من تجاوز لحدّ السلطة.
فإذا كان من موجب لمحاسبة الإعلام فلتقصيره في فضح ما كان يُطبخ في الغرف السوداء، ولعدم فضحه كل المخالفات التي كانت ترتكب، وأحيانًا بإسم القانون.
أما أن تلقى على الإعلام تبعات كل ذلك وتحميله مسؤولية أخطاء لم يرتكبها، لا في الماضي ولا في الحاضر، وهو حتمًا لن يرتكبها في المستقبل، فهو أمر غير مقبول ولا يجوز السكوت عنه.
نحن مع محاسبة الإعلام الذي يقع في شطط المغالاة والتطرف، الذي قد يلامس حدود التجريح بالشخصي، ولكن يجب أن تكون تلك المحاسبة وفق الأصول المتبعة، ووفق المعايير المعمول بها منذ أن أنشئت محكمة المطبوعات، لأن الإعلامي، وأيًّا يكن ذنبه، ليس مجرمًا ولا خارجًا على القوانين، وبالتالي فإن لديه من الحصانة ما يسمح له بالدفاع عن نفسه أمام المحاكم المختصة فقط، وهذا ما هو جار درسه في قانون المطبوعات الجديد، الذي لم يبصر النور بعد، والذي لا يجيز سجن أي صحافي يقوم بواجبه المهني، وهذا ما تقوم به نقابة المحررين، التي لن تسكت حيال ما يلحق بالإعلام والإعلاميين من إجحاف وبعض من تعسف.