وقال الراعي: "يسعدني أن ألبي شاكرا من القلب دعوة عزيزنا رئيس جامعة القديس يوسف البروفسور سليم دكاش، للقيام بهذا الاحتفال المهيب. أن نطلق نشاطات جامعة القديس يوسف لمناسبة إعلان دولة لبنان الكبير، بالترابط مع الاحتفال بمرور 145 سنة على تأسيسها، فلأن الأباء اليسوعيين عاونوا البطريرك الحويك في رحلته إلى مؤتمر الصلح في فرساي سنة 1919، ولاسيما في الوفد الثالث برئاسة المطران عبدالله الخوري، حتى بلوغ "إعلان دولة لبنان الكبير في أول أيلول 1920؛ ولأن جامعة القديس يوسف كانت الجامعة الكاثوليكية الوحيدة التي ربت وخرجت معظم رجالات الدولة والاستقلال، ومن بينهم "عباقرة" دستور سنة 1926، والميثاق الوطني سنة 1943 المكرس في وثيقة الوفاق الوطني سنة 1989.
هذه الوثائق ثبتت قيم لبنان التأسيسية: وهي الاستقلال المتحرر من أي تبعية، الوطن النهائي لجميع أبنائه في حدوده المعترف بها دوليا، الوحدة في التنوع، الحريات العامة الدينية والثقافية والسياسية، العيش معا كمسيحيين ومسلمين بالمساواة في الحقوق والواجبات، المشاركة المتوازنة في الحكم والإدارة، ولبنان النموذج والرسالة عربيا ودوليا".
وتابع: "هذه القيم تشكل فلسفة الصيغة اللبنانية التي تتلخص باستيعاب الواقع المجتمعي التعددي في إطار كيان سياسي موحد، تشارك الطوائف فيه في ممارسة السلطة، بهدف بناء دولة تحقق العدالة والأمن والاستقرار، وتوفر العيش الكريم لأبنائها، فيقوى انتماؤهم الوطني لإقتناعهم بأن الدولة تشكل ضمانة لهم جميعا، من دون حاجة لأي ضمانة أخرى، وتتعزز بذلك الوحدة الوطنية وتترسخ ويغدو العيش المشترك حقيقة واقعية.
وأردف: "لا نستطيع السكوت عن تسييس القضاء في بعض الحالات، وعن تحويله إلى محاكمات سياسية طائفية تفبرك فيها الملفات، وتنقض النصوص، وتعطل إفادات مؤسسات الدولة، ويمارس التعذيب لدى أجهزة أمنية باتت مذهبية، لكي يقر المتهم بجرم لم يقترفه، ويوقع محضرا لم يطلع عليه، ولم يسمح له بالاطلاع. ويضغط على القاضي، ويحاصر حزبيا وطائفيا في إصدار قراره وحكمه بموجب الضمير. ومن ناحية أخرى، لا نستطيع السكوت عن عدم تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية المحقة، من قبل النافذين السياسيين والمذهبيين، وكل ذلك مخالف تماما لما تنص عليه المادة 20 من الدستور.
أقول هذا ليس فقط للادانة والشجب وتحطيم الهمم، بل وبخاصة لتضاعف الجامعة وسائر مؤسساتنا التعليمية جهودها في تربية أجيالنا، المسؤولة غدا عن الوطن، على القيم الأخلاقية، وروح المسؤولية، وكرامة العمل السياسي الذي طريقه الإنسان والخير العام. فلبنان بحاجة إلى مسؤولين جدد من نوع آخر، ومطلوب من الكنيسة إعدادهم وتشجيعهم ومواكبتهم. فإنها تحتفظ بحق التمييز بين التراجع والتقدم، وبين التطور النهضوي والتطور الانحطاطي، وبين المعرفة التي تؤدي إلى الحقيقة والإيمان، وبين المعرفة التي تنزلق إلى الضلال والشك. في كل ذلك الكنيسة ترفع صوتها، وتعطي صوتا لمن لا صوت له. ولذا، أعين الشعب تنظر اليوم إليها. فكما كانت الرائدة في إنشاء الدولة - الوطن في مطلع القرن الماضي، مدعوة هي اليوم إلى تحصين هذا الكيان بمجتمع صافي الولاء، لبناني الهوية، عصري الوجه، مدني القوانين، راقي التقاليد، وقادر على احتضان هذه التجربة الفذة ومنعها من الانهيار. الكنيسة قادرة على ذلك، لأنها تمتلك المدرسة والجامعة. فعلى مقاعدها يتهيأ مستقبل الدولة والوطن".