كتب غسان ريفي في "سفير الشمال": لا تشبه الانتخابات النيابية لعام 2018 في طرابلس سابقاتها، فالمدينة تستعد للتعامل مع القانون النسبي والصوت التفضيلي الواحد، وهذا بحد ذاته يشكل أزمة حقيقية للسواد الأعظم من الطرابلسيين الذين كانت تستهويهم ما يعرف باللوائح المنزلية التي تضم أسماء أكثرية المرشحين الأساسيين، نظرا لتعدد الولاءات والخدمات والمساعدات، ولارتباط العائلات بعلاقات مميزة مع أكثر من زعيم سياسي.
في هذه الانتخابات الأمر مختلف، فتعدد الولاءات أمر لم يعد مسموحا، وعلى الناخبين أن يختاروا مرشحا واحدا يمنحونه صوتهم التفضيلي وينتخبون لائحته سواء إقتنعوا ببعض أعضائها أم لم يقتنعوا، وفق قاعدة: "كرمال عين تكرم مرج عيون"، الأمر الذي سيصيب كثيرا من الناخبين بالاحراج حيث سيجدون أنفسهم مجبرين على إتخاذ خيارات حاسمة، وما سيؤدي أيضا الى فرز سياسي عامودي في المدينة بي أنصار التيارات السياسية.
القانون النسبي مع الصوت التفضيلي في طرابلس قسّم المقسّم وجزأ المجزأ، وألغى التحالفات، وأشعل المنافسة بين أبناء الخط الواحد واللائحة الواحدة، فأختار كل تيار سياسي أن يشكل لائحته الخاصة وأن يخاطب جمهوره وأن يسعى لاقناع الأكثرية الصامتة ببرنامجه الانتخابي.
كثيرة هي المفارقات في إنتخابات عام 2018، فطرابلس للمرة الأولى منذ العام 1992، تخوض هذا الاستحقاق من دون الرئيس عمر كرامي الذي رحل صبيحة اليوم الأول من العام 2015، تاركا وراءه فراغا سياسية ونكهة إنتخابية ستفتقدها المدينة.
وللمرة الأولى منذ العام 2000، يغيب النائب محمد الصفدي عن المنافسة الانتخابية بعدما قرر العزوف عن الترشيح وعدم ترشيح أي من أفراد عائلته، مؤكدا أنه سيخوض الانتخابات لوجستيا عبر ماكينته الانتخابية دعما لتيار المستقبل، في حين سجل للمرة الأولى في تاريخ الانتخابات في طرابلس ترشيح الأب والابن، حيث ترشح وزير العمل محمد كبارة ونجله كريم كبارة، وذلك لأسباب تتعلق بالتعاطي الانتخابي السلبي لتيار المستقبل مع أبو العبد الذي يتطلع الى أن يخلفه نجله كريم في مقعده النيابي، إضافة الى إستقالة النائب روبير فاضل وعدم ترشحه، ووفاة النائب عن المقعد العلوي بدر ونوس.
أما المتغيرات السياسية فحدث عنها ولا حرج، خصوصا لجهة تراجع شعبية تيار المستقبل الذي فقد كل الشعارات التي كان يقوم بتجييش الشارع من خلالها، بعدما إستبدل الحديث المتنامي عن سطوة السلاح ودعم الثورة السورية والمحكمة الدولية وتسليم المتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، باعتماد النأي بالنفس الذي صادره من الرئيس نجيب ميقاتي، والحفاظ على الاستقرار، وحماية الاقتصاد، كما إستبدل اليد المبسوطة بالانفاق المالي، باعلان الرئيس سعد الحريري بأننا "سنخوض الانتخابات من دون أموال"، ومما زاد الطين بله الخلاف المستجد مع وزير العمل محمد كبارة على خلفية منح الأصوات التفضيلية للمستقبليين وماكينة الصفدي الى النائب سمير الجسر، فضلا عن عدم التجانس بين الأسماء المطروحة ما سيجعل المنافسة على أشدها ضمن اللائحة الزرقاء.
أما الرئيس نجيب ميقاتي فقرر للمرة الأولى تشكيل لائحة العزم، معتمدا على أمرين أساسيين: أولا شعبيته المتنامية التي تشير إليها كل الاحصاءات، وثانيا تبني الرئيس سعد الحريري مع العهد والدولة لكل شعاراته، ما يؤكد صوابية خياراته ويعطيه مزيدا من الحضور الانتخابي، لا سيما في ظل خدماته وتقديماته الأفقية في كل المجالات والتي لم تتوقف، وكذلك مؤسساته التي تغلق أبوابها منذ إفتتاحها.
ومن المتغيرات الطرابلسية أيضا، دخول اللواء أشرف ريفي الى المعترك السياسي، حيث يخوض الانتخابات النيابية للمرة الأولى في تاريخه، بعدما خلع بزته العسكرية، إضافة الى خروجه من عباءة سعد الحريري ومواجهته بشكل مباشر وإتهامه له بتخليه عن ثوابت ومبادئ ثورة الأرز، متحصنا أيضا بالفوز الذي حققه في الانتخابات البلدية الأخيرة حيث حصدت اللائحة المدعومة منه ثلثي عدد المجلس البلدي، فضلا عن إنتقال النائب السابق مصباح الأحدب من الموالاة الى أفصى المعارضة ضد تيار المستقبل والسلطة والعهد، سعيه الى تشكيل لائحة أو الانضواء ضمن لائحة مدنية تشبهه.
في غضون ذلك تفوق المجتمع المدني على التيارات السياسية في خلافاته، حيث لم ينجح حتى الآن في تشكيل لائحة مكتملة، أو إيجاد صيغة للتحالف لتشكيل لائحة مشتركة يمكنها تأمين حاصل إنتخابي، حيث تبدو الخلافات والتباينات سيدة الموقف، حيث من المتوقع أن تشهد الساحة الانتخابية أربع لوائح للمجتمع المدني إضافة الى لائحة للجماعة الاسلامية في حال لم تجد من يتحالف معها.
(سفير الشمال)