الحرائق السياسية أخطر من حرائق الطبيعة!

الحرائق السياسية أخطر من حرائق الطبيعة!
الحرائق السياسية أخطر من حرائق الطبيعة!
الكارثة البيئية التي حلّت بلبنان نتيجة الحرائق التي زنرّت لبنان، بغض النظر عن أسبابها ومسبباتها، سواء أكانت من فعل الإنسان بقصد التخريب أو بفعل الإهمال وعدم الإحتراز، فهي على فداحتها وخطورتها لا تضاهي ما تسببه الحرائق السياسية اليومية من أضرار جسيمة.

الكارثة الأولى موسمية، وهو أمر قد يحصل في أي بلد غير لبنان، لأن غضب الطبيعة لا يميّز بين بلد وآخر، وقد شهدنا منذ فترة كارثة الحرائق في غابات الأمازون، فضلًا عن الحرائق التي تستعر من وقت إلى آخر في ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأميركية أو في اوستراليا.

أما الكارثة الثانية، أي الحرائق السياسية، فهي يومية ومستمرة ولا ينجو من خطرها الوطن بأكمله، بطوائفه وأحزابه ومناطقه كافة، ولا تنفع معها شفاعة السماء، التي أمطرت بالأمس وساهمت في إطفاء حرائق الطبيعة.

فمع كل طلعة شمس تطالعنا أخبار أهل السياسة بجديدها القديم، إذ لا تخلو الساحة السياسية وبشكل يومي من حرائق تأكل في دربها أخضر المواقف ويابسها. وما تكاد ينطفىء حريق من هنا حتى يستعر حريق آخر، وكأنه مكتوب على المواطنين أن يتحمّلوا نتائج هذه الحرائق، التي تطاولتهم بالمباشر، تارة بلقمة عيشهم، وطورًا في الأفق المسدود والأمل المفقود.

آخر هذه الحرائق ما شهدته آخر جلسة لمجلس الوزراء، التي انتهت بعدم البت بموازنة العام 2020، الأمر الذي دفع برئيس مجلس النواب نبيه بري، وهو المعروف بأنه "الإطفأجي" الوحيد، من أجل إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح ورشّ المياه على بعض الرؤوس الحامية لتبريدها، وهو أستخدم خراطيمه في كل إتجاه منعًا لتمدّد الحرائق، فكان إتفاق بينه وبين رئيس الحكومة سعد الحريري على معاودة البحث في الموازنة من النقطة التي توقف عندها البحث، من أجل إحالة هذه الموازنة المتضمنة عددا من الإصلاحات الضرورية على مجلس النواب قبل الموعد الدستوري، أي يوم الثلثاء في 22 الجاري كحدّ أقصى، ما لم تُفتعل حرائق جانبية قد تحول دون ذلك.

ويأتي هذا الحريق بعد حرائق أزمة الدولار، وما تفرّع عنها من أزمات طاولت المحروقات والرغيف، وقد تطال أيضًا الدواء، وعلى رغم إهماد كل هذه الحرائق، فإن جمرها لا يزال راكدًا تحت الرماد، لأن الحلول جاءت مجتزأة ومؤقتة، إذ لم تحسم الدولة أمرها، وتركت الجرح مفتوحًا ينزّ عملًا ويهدّد بمضاعفات خطيرة، خصوصًا في ظل الإشتباك السياسي المستمر، وكان آخره التهديد بقلب الطاولة على الرؤوس، مع ما يعنيه ذلك سياسيًا الذهاب إلى خيار تغيير الحكومة الحالية ومحاولة الإتيان بأخرى تكون من لون سياسي واحد، لأن المعارضة من الداخل لم تعد مقبولة، وكذلك الأمر بالنسبة إلى ما ينتج عنها من عرقلة للمشاريع، وبالتالي تفشيل العهد وإظهاره بمظهر العاجز.

فمنطق قلب الطاولة، بغض النظر على رأس من، هو منطق من لا يقبل أو يتقبّل الرأي الآخر المختلف، وهو منطق الإستئثار بالقرار من دون مناقشة أو إعتراض، وهو بمثابة إنقلاب على الدستور وروحيته، وعلى الشراكة الحقيقية. إنه منطق الحرائق التي لا يطفيها لا مطر السماء ولا خراطيم بري.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى