اصنامنا التي سقطت قداستها

اصنامنا التي سقطت قداستها
اصنامنا التي سقطت قداستها

"نحن اللبنانيون". بات بمستطاعنا التلفظ بهاتين الكلمتين ونحن على ثقة بما نقول. ما نشهده منذ أيام، يشبه وردة أزهرت في القلب، ولا تنفك تكبر ساعة تلو أخرى. يقال إن الألم يوحد. ما لم نكن نحسبه في عداد المنطق قبل سنوات، صار هو المنطق اليوم.

في بلاد عرف حكامها كيف يقتاتون من موائد فقرنا لجعلنا تابعين، تواقين إلى أن يتكرموا علينا بالفتات مقابل أن نكون عبيداً طيعين، وقرابين جاهزة على مذابح حروبهم. لم نعد كذلك اليوم. لم نعد نسمح بأن نظل قرابين. ثمة أشخاص قرروا الدخول إلى الهيكل وتحطيم الاصنام. مئات الآلاف منا كانوا ينتظرون في الخارج. يعاينون ما يحصل برهبة وخوف عظيمين. هل يمكن لصنم فلان أن يداس ويشتم؟ من يفعلون ذلك سيلقون عقاباً كبيراً، بلا شك! قلنا. لكننا مع ذلك كنا فرحين. ألسنتنا كانت خرساء لكن قلوبنا كانت تهتف بأصوات عالية.

الأصنام لم تعد مقدسة. أصحابها عرفوا أنهم لم يعودوا من ذلك الصنف الذي يستطيع النهش في لحمنا متى يشاء، ولا يسمع منا همسة اعتراض.

من منا كان يتوقع أن ساحات الحروب الطائفية، وجنودها وضحاياها، ستغدو ساحات لقاء؟ من منا كانت يتخيل أن المغرر بهم طوال سنين، هم أنفسهم اليوم يقفون جنباً إلى جنب رافعين أصواتهم بوجه من أفقروهم؟

هذا ما يحصل اليوم. حاجز الخوف الذي يكبل الناس تحطم. ليس أعظم من سبب يكسر الخوف أكثر من الشعور بأن لا شيء لدينا لنخسره. أن تخسر كل شيء يعني أنه بات بإمكانك فعل أي شيء.

وهذا بث الرعب في قلوب زعامات متحجرة قلوبهم. حتى حاولوا الاذعان لمطالب الناس، لكن بطرق واضح أنها ملتوية. والغاية، كما في كل مرة، شراء الوقت. هذا الوقت الذي ربما يستعيدون فيه القوة للقيام بحملة مضادة.

من المعلوم أن أي سلطة في العالم تصير أكثر بطشاً عندما تخرج رابحة من أمام انتفاضة شعبية. هذا ما نخاف منه اليوم. أن تكون "الورقة الإصلاحية" سبباً للقول للمحتجين إن عليكم العودة إلى بيوتكم و"وخلص خلصت". وفي حال الرفض يتم إرسال من يخرب ويحيد بالحراك عن وجهته. علماً أن للزعامات الطائفية جمهورها وإعلامها وحتى زعرانها.

هذا خطير. الخسارة اليوم تعني خسارة طويلة لا قيامة بعدها. الزعامات الطائفية ستصبح وجمهورها أكثر شراسة.

وحده الوعي بدقة هذه المرحلة ربما يجعلنا قادرين على الاستثمار في تلك الانتفاضة العظيمة. تكوين لجان تضم الجميع وتعبر عن الجميع، تخرج بورقة يتفق الكل على بنودها. بنود أساسية وتمس كل مواطن لبناني من شمال الوطن إلى جنوبه. مطالب حياتية لا تترك أي فرصة للإنقضاض على المحتجين، واللعب مجدداً على الوتر الطائفي والمناطقي. أي إصلاح الكهرباء والماء والتلوث والفساد الإداري والأملاك البحرية والنهرية والضرائب وضمان الشيخوخة وإعادة الاعتبار للجامعة والمدارس الوطنية.

إن مثل هذه المطالب عامل قوة ووحدة. أما ما عداها من شعارات حول إسقاط فلان وفلان فهي فرصة مستمرة للاستمثار البغيض. حصلوا حقوقكم واحموها بوحدتكم، أما الباقون فسيسقطون من تلقائهم.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى منخفض جويّ متمركز فوق اليونان... هذا موعد وصوله إلى لبنان