الشارع يحرّر الحريري من 'التسوية الرئاسية'

الشارع يحرّر الحريري من 'التسوية الرئاسية'
الشارع يحرّر الحريري من 'التسوية الرئاسية'
بعد معاناة إستمرّت ثلاثة عشر يومًا، وبعدما شاهد بأم العين ما يحصل على مرمى حجر من "بيت الوسط" في الشارع المقابل، حيث كانت تصل إليه أصوات الناس مع ما فيها من ألم وحرقة وقلق على المستقبل، قرر سعد رفيق الحريري، ومن دون سابق إنذار، ومن دون تنسيق مع شركائه في "التسوية الرئاسية"، أن يعلن إستقالة حكومته إستجابة لما يطالب به الشعب الذي ملأ الساحات نبضًا وحيوية ونفَسًا جديدًا تغييرًا.

 
فلو لم يكن الرئيس الحريري في وارد تقديم إستقالته لكان يكفيه هذا المشهد التخريبي الذي حصل بعد الظهر في ساحتي الشهداء ورياض الصلح ليدفعه إلى تسريع إتخاذ مثل هكذا قرار جريء، لأن ما شاهده من فوضى يتخطّى بأبعاده عفوية الشارع المقابل، وبراءة الذين نزلوا إلى الساحات للمطالبة بما يؤمنون بأنه حق وصواب، بإعتبار أن هذا المشهد كان من الممكن أن يقود إلى ما سبق أن تخّوف منه السيد حسن نصرالله، بعدما لاح في الأفق شبح الحرب البغيضة، مع ما فيها من طائفية ومذهبية بانت بالأمس بأبشع صورها، مقابل شارع أثبت أنه بعيد عن الطائفية، لأن الساحات ضمّت كل أطياف المجتمع اللبناني، وتجّلى ذلك عندما تشابكت الأيدي، مسلمين ومسيحيين، في سلسلة بشرية شكّلت رمزًا لوحدة لبنان.

 
صحيح أن الرئيس الحريري تأخّر في إتخاذ هكذا قرار، ولكن خيرا أن يأتي متأخرًا من ألاّ يأتي أبدًا، وهو حاول من خلال الإتصالات التي أجراها طيلة هذه الفترة علّ وعسى، لكنه كان يُقابل بمزيد من المكابرة والإستعلاء والمراهنة على الوقت وعلى تعب الناس، والإتكال على الشارع المقابل، الذي رأينا عيّنة منه بالأمس.

وبعدما وصل إلى طريق مسدود قرر الحريري أن يتحرّر أولًا من مفاعيل "التسوية الرئاسية"، التي لم تؤدِ الغاية، التي على أساسها عُقدت، والتي كان يعتقد أنها ستنقل البلاد من حالة إلى حالة أخرى أفضل، ليكتشف بعد ثلاث سنوات أنه كان يراهن على سراب، وبذلك يكون قد تحرّر من عبء الشارع، الذي بات يحمّله مسؤولية إبقاء الوضع على ما هو عليه.

 
ففي الذكرى الثالثة لإنتخابه يحتفل الرئيس العماد ميشال عون من دون أن تكون الحكومة حاضرة للمشاركة في إطفاء الشمعة الثالثة، على أمل ألاّ تطول فترة تشكيل حكومة من أهل الإختصاص، مع إستبعاد قبول "تكتل لبنان القوي" ومعه حلفاؤه بعودة الحريري، بعدما سرت أخبار مفادها أن دوائر القصر الجمهوري لم تكن على علم مسبق بهذه الإستقالة. وإذا عاد فسيعود معه الوزير جبران باسيل، الذي سبق أن قال له "سنبقى معًا على الحلوة والمرّة، أي أن إعادة تكليفه بتشكيل حكومة جديدة من أهل الإختصاص ستكون مشروطة بعودة باسيل. فإما أن يكونا معًا في الداخل أو يكونان معًا في الخارج "ومن ساواك بنفسه ما ظلمك".

وهكذا يكون لبنان قد طوى صفحة جديدة من أزمته، وبالتالي يكون الشارع الغاضب قد فرض إرادته على الجميع، على أن تبقى خطوات أخرى لا تقل أهمية عن إستقالة الحكومة، وهي تبدأ بتشكيل حكومة ترضي الإنتفاضة وتؤتمن على ما يواجهه لبنان من أزمات تتطلب أكثر من أعجوبة لكي تستقيم الأمور ولكي توضع العربة على السكة الصحيحة.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى