وعلى رغم أن أي حكومة غير سياسية تحتاج إلى توافق سياسي من أجل أن تتأمن لها ظروف النجاح في مهمتها، وأن تمرّ من بوابة ثقة مجلس النواب، وهو معبر إلزامي لا بدّ منه، فإن أي شخص سيقبل بأن يتولى مسؤولية ترؤسه الحكومة العتيدة، أيًّا كان شكلها، عليه أن يضع نصب عينيه أنه مقبل على مهمة مستحيلة، وهي تتطلب منه أن يقبل بأن يكون فدائيًا، بكل ما لهذه الكلمة من معانٍ، لأن القاصي والداني يعرف ما ينتظر هذه الحكومة المطلوب منها الكثير في فترة زمنية قصيرة جدًا، لأن البلاد تقف على شفير هاوية سحقية قد يصبح الخروج منها في حال إقدام هذه الحكومة على أي دعسة ناقصة أو أي خطوة غير مدروسة من كل جوانبها وغير محسوبة النتائج.
ففي تاريخ السياسة اللبنانية لم تنجح حكومات التكنوقراط لو لم يتأمن لها غطاء سياسي وتوافق على الأهداف والاساليب، وهذا ما يحاول البعض إقناع نفسه به لجهة التباطؤ في الدعوة إلى إستشارات نيابية ملزمة في القصر الجمهوري، وإن كان ثمة من يقول أنه بمجرد الدعوة إلى هذه الإستشارات، وإن لم يكن قد تبلورت بعد الصورة التي يمكن أن تكون عليها الحكومة العتيدة، سيؤدي إلى تنفيس الإحتقان في الشارع، ولو إلى حين، وستعطي بعضًت من أمل مفقودز
وكذلك سُجّل في هذا التاريخ فشل بعض حكومات التكنوقراط لأنها لم تحظَ بالحدّ الأدنى من التوافق السياسي أو على الاقل ضمان عدم عرقلة مساعيها، وذلك من خلال منحها صلاحيات تشريعية إستثنائية تتناسب وحجم التحديات التي تواجه البلاد في هذا الظرف الخطير والدقيق، الذي لم تعد تنفع معه الإجراءات العادية والروتينية ومعالجة المرض المستعصي بالمسكنات والتداوي بالأعشاب.
فالإحباط الذي بدأ يعمم، وهو آخذ في التنامي نتيجة الأخبار المتداولة عن قرب الإنهيار الشامل، يحتاج إلى أكثر من صدمة إيجابية كتلك التي أقدم عليها الحريري عندما قدّم إستقالته، والتي بقيت بمثابة صرخة في وادٍ، إذ لم تقابلها خطوات سريعة بحجم هذه الإستقالة، وذلك بفعل التباطؤ في الدعوة إلى الإستشارات النيابية وكأن البلد يعيش في أفضل ظروفه، حيث يُستند إلى تجارب سابقة عندما كانت البلاد في حال أفضل بكثير مما هي عليه اليوم، ولم تكن الموس قد وصلت إلى رقاب اللبنانيين، مع ما تشهده من تحركات في الشارع، مع الخوف بأن تتطور الأمور إلى ما هو أسوأ.