أخبار عاجلة

من وجوه الثورة: محمد اسماعيل.. مايسترو منصة طرابلس

من وجوه الثورة: محمد اسماعيل.. مايسترو منصة طرابلس
من وجوه الثورة: محمد اسماعيل.. مايسترو منصة طرابلس
تحت عنوان من وجوه الثورة: محمد اسماعيل.. مايسترو منصة طرابلس، كتبت جنى الدهيبي في "المدن": ما بعد تاريخ 17 تشرين الثاني 2019، ثمّة مشاهدٌ استثنائية محفورة في ذاكرة ساحة عبد الحميد كرامي (ساحة النور) في طرابلس. وربّما تلك المشاهد، هي من أكسبت الساحة لقبًا أضحى تريندًا عالميًا ملتصقًا بها: "عروس الثورة".

يعرف أهالي طرابلس، أنّهم يقاومون باللحم الحيّ مساعٍ خبيثة تهدف لشيطنة ثورتهم وحرف مسارها. يتوافدون إلى الساحة يومًا تلو آخر، بآلامهم وأوجاعهم وأصواتهم ومطالبهم، ويلعب عدّاد الحضور صعودًا وهبوطًا، حسب أجواء ليالي ساحة النور. ومع ذلك، لا يستسلمون، لأنّ إيمانهم بقضية ثورتهم، يتفوّق على كلّ محاولات ضربها وتفريق صفوفها.

هذه المنصّة، التي بدت أقرب إلى خشبة مسرح على حافّة مبنى مهجور أصبح شاهدًا على الثورة ومطليًا بالعلم اللبناني، ومدعمة بأعمدةٍ حديدية منعًا لهبوطها، كان اللجوء إليها عفويًا، من محركي الانتفاضة الشعبية الأصليين والأولين في طرابلس. لاحقًا، سرعان ما أصبحت نقطة جذبٍ بالغة السّحر، قبل أن تقع في مصيدة مجموعة من المتسلقين والشبيحة و"الزعران"، وهم لا يمثلون تطلعات أبناء المدينة، الذين يخوضون معركةً غير معلنة مع تلك المجموعة، ويرددون فيما بينهم شعارًا إضافيًا: "الشعب يريد استرداد المنصة".

تقاوم طرابلس الثائرة في لياليها، محاولات التشويه وحرف المسار عن قضيتهم. تعوّض وتتفوق بإلتفاف أبنائها على بعضهم البعض، بهتافاتهم وصرخاتهم ومسيراتهم وحلقاتهم الحوارية على مدار الليل والنهار. كأنّهم تصالحوا مع الساحة ومساحاتها الممتدة، وجعلوها مفتوحةً لخوض الثورة ولأجلها.

الصوت المبحوح
في أرجاء تلك الساحة، تتردد أصداء صوتٍ مبحوحٍ عذبٍ ورخيم وثائرٍ، كان واحدًا من صنّاع نجوميتها، وساهم بقوّة في إعطائها بجدارة لقب عروس الساحات والثورة. وفي ثلاث ليالٍ مجيدة، خرج صاحب الصوت الفريد، وهو الشاب محمد اسماعيل، وصدح بالعبارات الأشهر في طرابلس: يا ثوااار... يا أحراااار.. سمع سمع سمع.

في ليلة ذات سبتٍ، حين لبّى أبناء مختلف المناطق اللبنانية الثائرة دعوة طرابلس لمشاركة أهلها في ثورتهم، عاشت المدينة لحظات زهو مع ضيوفها الثائرين، حين اعتلى اسماعيل المنصة. جعل اسماعيل ليلها أيقونة ومنارة تضجّ بالنفوس الثائرة، ترفع الأعلام والهواتف المضاءة، هتف المتظاهرون بأياديهم وأصواتهم الصاخبة شعارات كتبها وأنشدها بذكاءٍ حماسيّ دامغ: "أهل الذوق وجل الديب.. أنتوا أملنا اللي ما بيخيب.. صوتك يا بلادي: ثورة.. والحرّ ينادي: ثورة.. ساحة أحرار.. شعبي ثوار.. كرمالك بلدي.. مستقبل ولدي.. ضدّ النظام .. والاستزلام.. وحدة وطنية، ثورة شعبية / سمع سمع سمع: يا ثواااار... يا أحراااار.. /  ضدّ الفساد.. والاستبداد.. ضدّ التبعية.. وحدة وطنية.. لا طائفية .. لا مذهبية .. ثورة ثورة".

إنّها ليلة من ثلاثٍ لا ينساها الطرابلسيون وضيوفهم، والشاهدون على ثورة المدينة، عبر الشاشات وفي الفيديوهات التي اكتسحت الفضاء الإلكتروني وتجاوزت في مشاهداتها رقم المليون. ومن خلال هذه الليالي، أصبح محمد اسماعيل، بصوته، وصدقه، وعنفوانه، وإيمانه المطلق بالثورة وقضاياها، أيقونةً لامعةً في الساحة، من دون أن يسعى أو يبتغي ذلك.

مذيع ومنتج إعلامي
لكن، من هو صاحب هذا الصوت؟

هو محمد اسماعيل (36 عامًا)، ابن طرابلس، يعيش في منطقة أبي سمراء، من مواليد باب التبانة، يعمل في الانتاج الإعلامي وتقديم البرامج التلفزيونية والإذاعية. تدرج في عدة فضائيات، كان آخرها "قناة القدس" التي أغلقت قبل فترة. وعلى صعيد الإذاعة، يعمل ما بين إذاعتي الفجر وطريق الارتقاء، وهو حاليًا يشتغل في الإنتاج الإعلامي. جزء من اختصاص اسماعيل، هو في التدريب الإعلامي، وتحديدًا ما يتعلق بـ"التواصل الجماهيري".

يحكي في حديث مع "المدن" عن تجربته كوجهٍ من "وجوه الثورة"، وإن كان متواضعًا لدرجة يتفادى أن يطلق على نفسه هذا اللقب. في البدء، سارت الأمور صدفة، حين نزل إلى الشارع أول يومٍ من الثورة لتغطية الحدث، ولم يكن له علاقة بالميكروفون. لكن، ولدى وجوده على المنصة لإلتقاط الصور وتسجيل الفيديوهات،  صادف وجود أشخاص على المنصة يعرفون عمله وما يقدمه، فطلبوا منه الإطلال وإلقاء كلمة بالمتظاهرين. يقول: "لم يكن الأمر واردًا بالنسبة لي، ثمّ دفعني بعض الأصدقاء لإلقاء كلمة، بعد أن كانت الأمور تذهب للأغاني والـ DJ فقط. هتفتُ بشكل عفوي، وكان أول نداء أطلقته: يا ثوار يا أحرار. وعندما صار التفاعل كبيرًا، وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، طلبوا مني الخروج للكلام، وجاءت كلمة "سمع سمع" بعفوية وأخذت أيضًا صدىً كبيرًا".

لاحقًا، بدأت وسائل الإعلام المحلية تطلب من اسماعيل أن يهتف مباشرة على الهواء. ثالث مرة ظهر بها، أخذت الصيت الأكبر، وبدأ يهتف ويتفاعل مع الثوار ويسألهم: من لا يجد عملًا يرفع يده، ومن يعجز عن طبابة أولاده يرفع يده.. إلخ"  

المشهد العظيم.. صحوة الناس
ورغم أسف اسماعيل على "احتلال" المنصة من جهات مرفوضة في المدينة، وغلّبوا عليها طابع الأغاني والـ DJ، بما ينافي روحية الثورة وخطابها الموجّه سياسيًا، يعتبر أن أجواء المدينة الثائرة جعلها عالمية، وتحول دور "ساحة النور" من مجرد ثورة إلى "محرك" للساحات ومركزٍ لها. يضيف: "موضوع المنصة لم يعد بيدنا، ونحن لا نستطيع الاقتراب منها في هذه الأجواء المشحونة، لأن الهدف من المنصة يجب أن يكون لترشيد الثورة لا شيطنتها، وهو ما نسعى لتفاديه".

يخاف اسماعيل على الثورة في طرابلس أن تُستخدم مطية، "إمّا لأحزاب السلطة، وإمّا لأحد آخر، وتوجهيها نحو منحدرات مختلفة"، يقول: "لا أخاف من الاصطدام مع الجيش وإنّما من المندسين والساعين لتخريبها تحت أيّ حجة أو ذريعة واهية".

 يذكر اسماعيل مشهدًا راسخًا في ذهنه عندما اعتلى المنصة. في إحدى المرات، "صعدت إلى المنصة ووجدتُ رجلًا كبيرًا يبكي. سألته عن سبب بكائه فأجاب: أنا صار عمري 63 عامًا، لم أحلم في يوم من الأيام أن أرى هذا المشهد العظيم في ساحة النور، وأن أرى صحوة الناس". الثورة يعني أنّ الناس استيقظت من غفوتها، هكذا يصفها اسماعيل، ويعتبر أنّ طرابلس هي أكثر مدينة موجوعة ومحرومة ومُعاقبة. فـ"نحن معاقبون، لذا يجب على أهل المدينة أن يكونوا في طليعة الثورة، وإذا لم ننجز شيئًا اليوم، نحتاج لـ 30 عامًا آخر حتّى تأتي مثل هذه اللحظة العظيمة".

يوجه اسماعيل رسالة لأهل طرابلس قائلًا: "القطار انطلق، ونحن في طرابلس لا يجب أن نكون سببًا لوقوفه أو تراجعه، فدعونا نبقى سبّاقين، وأن نسجل في تاريخنا مرحلة قررنا فيها القضاء على الفساد ومكافحته. الساحة لا يجب أن تفرغ، لأنّها المرة الأولى التي تنزل فيها الشريحة الصامتة في طرابلس". لذا، "انتبهوا من الخطاب غير المسؤول، ولا ترددوا كلّ ما تسمعونه، لكي نبقى في عمق الهدف العام من الثورة، من دون الانجرار لأحد، أيًّا كان".

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

التالى منخفض جويّ متمركز فوق اليونان... هذا موعد وصوله إلى لبنان